مظفر النواب يقتفي أثر {صويحب}

ثقافة شعبية 2024/05/16
...

 كاظم غيلان 

أثر صدور قانون الاصلاح الزراعي عقب ثورة 14 تموز 1958، والذي أنصف الفلاح العراقي وأنهى هيمنة رجالات الاقطاع ووحشية تعامل سراكيلهم مع الفلاحين، سارعوا في أرياف { الكحلاء} لاغتيال الكادر الفلاحي الشيوعي _ صاحب ملا خصاف _{صويحب} كما يطلق للتحبب في تلك المناطق .

في اليوم التالي شيع جثمانه وسط مدينة العمارة بهتافات نددت بالاقطاع والحكومة معا لأنها اغفلت تحذيرات الفلاحين من دسائس المتضررين من القانون المذكور .وصل الشاعر مظفر النواب للمنطقة ليشارك ذلك العزاء ويعيش حيثيات الواقعة ويلتقي { أم فيصل} زوجة الشهيد ليستمع منها لتفاصيل حادثة 

اغتياله .

قبل سنوات ليست ببعيدة كنت عائداً من دمشق إلى بغداد وكان أبي عادل على قيد الحياة وافهمته في نيتي للقاء أم فيصل صحفياً ، حملني تحياته لها:

_ سلم لي هواي على ام فيصل.

قالها( فيصل) بكسر الفاء،بلهجة القبيلة وقتذاك دون أن تنسيه المنافي وتعدد اللهجات ذلك .

فعلت كل ذلك بأمانة واجهشت أم فيصل بالبكاء حين نقلت لها تحيات من خلد ( صويحب ) بقصيدة لم تزل الأجيال ترددها ، فقد أداها بنجاح كبير الفنان ( سامي كمال) ولربما آخرين، ورددها شبان تشرين في ساحة التحرير أيام انتفاضتهم ، ورددتها الجموع التي حملت نعش النواب يوم وصوله بغداد في العشرين من 

مايس 2022  .

اليوم وجدت أم فيصل في دار ولدها كريم ممدة بعد أن اعيتها الأمراض وهي تصارع شيخوختها اذا ماعرفنا بأنها من مواليد ( 1932) نطقت بضعة كلمات ترحيبية ومن ثم صمتت .

عدت منكسراً لأكتب مستعيداً ما سردته لي في ذلك الحوار والذي نشرته وقتها في ( طريق الشعب ) .

صاحب ملاخصاف تولد 1927 وهذا يعني انه استشهد في ذروة شبابه 32 سنة .

كان عائدا مع رفيقيه ( سيد حامد) و( زغير لعيبي الشميلاوي) في تلك الليلة لداره فانهال الرصاص من  القتلة  كانوا يكمنون في احراش قريبة لضفة نهر ( الكحلاء)   وهذا ماثبته مظفر بمقدمة القصيدة

(مضايف هيل _ 1959 بدأ الاقطاعيون بنهر الكحلاء ، وابتدأت الردة). 

يذكر كريم ان مظفر قرأ القصيدة على مسامع _ زهرة خصاف _ أخت الشهيد أثناء سماعه لنعيها .كانت تجيد النعي في مأتم المنطقة .

"مضايف هيل " واحدة من قصائد مظفر التي جاءت على لسان المرأة _ زوجته .

" ميلن .. لاتنكطن كحل فوك الدم 

ميلن ..وردة الخزامه

تنكط سم

جرح صويحب 

بعطابه مايلتم


لاتفرح بدمنه لا .. يلكطاعي

صويحب من يموت المنجل يداعي"

اقتربت من أم فيصل قبل أن أغادر وأنا أتأمل طاقة مظفر الخلاقة التي جعلتها تغازل زوجها شهيداً دون أن تلطم خديها وتشق ثوبها كما يحصل أثناء فجيعة النساء هناك ليجعلها تقول :

" هاي انا اللحضك

..لاتلم روحك 

اضمك بالكصايب

عين لتلوحك 

يصويحب..

افيي الفيه لجروحك

يتلاكن عيون الذيب

بشراعي،


واحاه شكبر، ضحجات الاكطاعي"

يذكر أن فيصل الابن الأكبر لصاحب غادر الحياة في العام 2019.

غادرت .. ولربما تغادر أم فيصل ونغادر جميعا .. لكن القصيدة باقية .

ولكم كان مظفر شاعر قول وفعل فقد اقتفى اثر صويحب مثلما اقتفى آثار تجارب ثورية في مناطق ملتهبة أخرى كأهوار الجنوب وجبال كردستان حيث حدثنا عنها  الكاتب حسين الهنداوي عبر كتابه( في أعالي الشجن) الذي صدر عن دار المدى قبل أعوام قليلة ، واقتفى مواقع في ارتيريا وظفار .

سلاما .."مضايف هيل"

سلاما.. :"صويحب"

سلاما "مظفر النواب ."