لوحة المقابر الجماعيَّة

آراء 2024/05/16
...

 د.يحيى حسين زامل


بعد سقوط النظام البعثي في العراق عام 2003، تم تأسيس رابطة ثقافية في مدينتنا، وكان من أهم نشاطات هذه الرابطة، إقامة معرض لرسوم الأطفال ضم ثلاث مدارس ابتدائية في المنطقة نفسها، فجاءت كمية كبيرة من اللوحات التي رسمها هؤلاء الطلبة، بعضها كرسومات غاية في الاحتراف والاتقان علی الرغم من طفوليتها، ولكن الأهم منها والتي اختارتها اللجنة الفائزة الأولى، لوحة رمزية ومعبرة عن المقابر الجماعية في العراق، تجسد تلك الفادحة التي جرت في أرض العراق علی أيدي أزلام النظام المباد، فهي لم تكن لوحة فحسب، بل صرخة في وجه الضمير الإنساني الذي تبلد في حقبة البعث الصدامي، وكذلك هي صدمة لمسار المجتمع، والمجتمع بلا شك يحتاج للصدمة، حتى يعيد حساباته ويصحح مساره.

وفي الأصل أن المجتمع العراقي عانی من نظام لا يحترم شعبه، وإلا من غير المعقول أن رئيسًا أو نظامًا يقتل شعبه حيًّا في مقابر جماعية، حيث يجمع الناس شيبًا وشبانًا ونسًاء وأطفالًا في حفر عميقة في باطن الأرض وهم أحياء، كما في جنوب ووسط البلاد ويدفنهم بوساطة البلدوزرات، أو يقتل شعبه بالمواد الكيمياوية، كما في شمال العراق في مدينة حلبجة، حتى سُمّي أحد أفراد نظامه ب-(علي كيمياوي)، كشاهد يؤرخ لعار التاريخ 

البعثي.

وترتبط غالبًا هذه الجريمة بـ(الإبادة الجماعية)، إذ يباد العديد من الناس مجهولي الهوية، لأسباب سياسية أو دينية او عرقية بنيّة التخلص منهم ومحو أثرهم، والتي تُعد بحكم الأعراف الدولية جريمة دولية، حرّمتها كل القوانين والأنظمة الدولية علی اختلاف ثقافاتهم. 

وعلی الرغم من فداحة هذه الجريمة في العالم، إلا أن الإحصاءات الرسمية للمنظمات الدولية، تؤكد  أن هناك ما يقرب من 300 ألف ضحية من ضحايا المقابر الجماعية في العراق والبحث ما زال جاريًا، فهناك العديد من المقابر لم تكتشف حتى الآن، وتشابه هذه الجريمة في العالم  محارق الإبادة النازية في الحرب العالمية الثانية، وحقول القتل في كمبوديا في السبعينيات من القرن الماضي، وجرائم الإبادة الجماعية في رواندا في العام 1994... واخيرًا جرائم الإبادة البشعة لعصابات داعش الإجرامية في العراق عام 2014 ، بحق العراقيين المسلمين

 والإيزيديين.

وعلی الرغم من تحديد الحكومة العراقية بأن يوم السادس عشر من أيار في العام 2007 ، هو يوم المقابر الجماعية في العراق، إلا أن حقوق هذه الفئة ما زالت مغبونة، إذ يصعب تحديد هوية الكثير من أفراد هذه المقابر، بينما بقيت أسرهم أو ما تبقی منهم أسری الحيرة والفقد والألم، لذلك هناك جهود كبيرة تبذل لمعرفة هويات الضحايا من خلال تقنية الـ dna ، وما زال الوقت طويلًا، إذ تتطلب هذه التحليلات زمنًا ووقتًا طويلًا، خصوصًا أن أكثر مراكز هذه المختبرات خارج 

العراق.