نتباكى في مجتمعاتنا العربية على ما ضاع منا بسبب الثورة التكنولوجية، من دفء أسري وعاطفي، وعلاقات اجتماعية “حميمية”، لكننا إذا ما نظرنا إلى الأمر من زاوية أخرى، نجد أن الحقيقة هي غير ذلك تماماً، ففي ظل تعقيدات الحياة الاقتصادية والحياتية، والسعي الدائم للبقاء على قيد الحياة المرهقة والتي تزداد صعوبة، نلاحظ أن تكنولوجيا الاتصالات وفرّت لنا تواصلاً بالصوت والصورة مع أحباء وأصدقاء تفصلنا عنهم مسافات ومشاغل، الأمر الذي يغذي الحب وينعشه ويبقيه موجوداً.
إن البكاء على الماضي الدافئ، والزمن الجميل، إنما هو حالة مغشوشة، لا توحي إلا برغبة في التقوقع وعدم التغير والتغيير، والعيش في جلباب الأجداد، فالحياة تضعنا دائما في وضع متجدد متطور، وتوحي لنا بأسلوب جديد للعيش، فمثلاً اختلفت طريقة العيش والعمل والعلاقات الاقتصادية والاجتماعية والأسرية بعد اكتشاف الكهرباء، كما تغيرت حياة البشر مع ظهور السيارة، ومع كل اختراع جديد كانت تتغير أساليب الحياة نحو الأفضل لمن وعى للجانب الإيجابي فيها، والآن تختلف حياتنا مع انتشار الموبايل وغيره من وسائل الاتصال الحديثة، الأمر الذي يحتم علينا أن نجد الطريقة المناسبة للتكيف مع هذه الوسائل المتطورة.
إذا نظرنا بتمعن للتكنولوجيا الحديثة، سنجدها تدعم الحب الأسري وتنميه، وتجعل أحبتنا أقرب إلينا من السابق، فأي متعة نتباكى عليها في انتظار رسالة من حبيب أو صديق قد تطول لأشهر قبل انتشار وسائل الاتصال الحديثة، وكم من قلق وتوتر انتابنا ونحن نحاول الاطمئنان على أحد الاقرباء البعيدين؟، بذلك تكون التكنولوجيا وفرت لنا الوقت والقلق والانفعال، وسهلت علينا التواصل مع الآخرين، فضلاً عن فوائد كثيرة لا مجال لذكرها هنا، المسألة تتعلق بمدى قدرتنا على التكيف ومواصلة الحياة بشكلها الجديد، واستخدام ذلك التطور بكل أشكاله، بما يخدم حياتنا ويحسّنها، لأن الحياة لا يمكن أن تقف عن نقطة محددة أو مكان ثابت، لأننا بذلك نحكم على أنفسنا بالموت والتلاشي.
في عالم اليوم المليء بالتكنولوجيا المتطورة، علينا أن ندرك أنها لم تؤثر في اختيارنا للشخص الذي نحب، لم تبرد مشاعرنا وعواطفنا ولا قطعت أوصال علاقاتنا الاجتماعية، بل ساعدتنا على تطوير طرق جديدة في التودد إلى الآخر، من رسائل الكترونية ورسائل نصية، وحتى “الإيموجي” يمكن أن يعبر عن مشاعرنا، والتفاعل مع صور وكتابات الآخرين، فيما بقيت القواعد الأساسية للحب موجودة، والصفات التي تجذبنا للآخرين لم تتغير عند كل شخص، ومحبة الأخوة والأصدقاء ما زالت باقية، كل ما هنالك ان هذا التطور الحاصل قرب المسافات وأبقى على خطوط التواصل بين البشر.
قد تكون الرغبة بالألم وبراعة العربي في إظهار الحزن والأسى، ها ما يدفع البعض لنعت التكنولوجيا بتخريب العلاقات البشرية، نحن شعوب نحب العيش في الماضي، وإضاعة الوقت في الانتظار والقلق، بدلاً من استغلاله بما هو مفيد، العالم اليوم متسارع ومتطور وتلك حقيقة لا مجال لنفيها، يجب أن نمارسها ونستغلها ونواكبها.