صور ونظام وضحايا

آراء 2024/05/19
...

 د. أثير ناظم الجاسور

في كل مرحلة من مراحل تكوين الأنظمة الشمولية الاستبدادية تظهر صور قد نكون اعتدنا مشاهدتها تحيلنا لواقع هذا النظام وعناصر ديمومته ووسائل بقائه، التي تعد واحدة من ضروراته بغض النظر مخرجاته السياسية التي تلقي بظلالها على الواقع الاجتماعي، أنظمة لا ترغب إلا أن تكون مقدسة فوقية مبجلة، لا يمكن الاعتراض على سياساتها لكونها المنزلة الآمرة الناهية لا تميز في جوهرها بين الأبيض والأسود كل ما تراه مقسم بين مؤيد راضخ لسياساتها وبين معترض لابد من اسكاته
أنظمة تحكمها العقلية المنغلقة إيمانها بما تعتقد ونسقها الفكري يتمحور ضمن مساحات التفكير ذات التوجهات الضيقة، بناء على سلوكيات هذه الأنظمة تتم قراءة سايكولوجيتها المبنية على مجموعة من القضايا المعقدة والمتشابكة المرتبطة بماضي قياداتها، صور مختلفة شاهدناها على مر التاريخ هذه الصور حملت أمزجة حكمت واستحكمت ومجتمعات عانت وقاست لتكون الضحية.
العراق وبكل ما يملكه من إرث حضاري وثقافي لم يكن بمعزل عن استحكام مثل هذا النوع من الأنظمة التي لطالما سار بحكم الدولة وفق قوانين وقواعد استمدها من عوامل القسوة وزراعة الخوف، وضرب طوقاً فكريا على كل من يتعرض أو حتى يفكر ان يعترض، نظام عمل على جعل المجتمع طوعا لرغباته، ليكون وقودا لحروبه ونزاعاته وتوجهاته العدوانية فكانت الازدواجية في معايير الحكم هي من بينت شكل ومضمون العمل وكل ما يتعلق بالمنهج والتصور حول إدارة الدولة، فجعل من قوانين الاستبداد صيغة ومعيار منظمة، سواء جاءت بما يتوافق والرغبات الشعبية ام لا من خلال الإطار الأيديولوجي الذي يتبناه، فضلا عن المستحيلات التي يعمل عليها، فتارة يحكم باسم القومية وتارة باسم الدين وتارة أخرى باسم الوطن وبين هذا الثالوث ضحايا لا يرون لحياتهم قيمة تذكر فإما القبول على كل ما يحدث أو يُصبح من الغالبية الصامتة المعترضة قلبا ليكون اضعف الايمان، لم يدخل حلبة التنافس الفكري، ليكون مغريا للجماهير ولم يؤثر في العقول من خلال الفلسفة التنظيمية التي يعمل عليها، واستدامته جاءت على ضوء قوته التي يُرهب من خلالها الآخرين، لم تكن عملية الاعتراض أو ما يجول في خاطر المفكر والكاتب والمواطن المعترض حالة إيجابية، بقدر ما كانت توصف بمجموعة من الخطوط الحمراء كما يصورها ويعتقد بها رأس الهرم ومؤسساته، فلم يكتف بتكميم الأفواه والتضييق على كل من يفكر ويقول لا، بل راح يؤسس لتابوات عمل على تأطيرها بالوطنية لتصنف المعارضين والمعترضين بخانة الخائن والخارج عن القانون، فحسابات النجاح والفشل باتت في فكر النظام ليس على المنجز الوطني الحقيقي بقدر ما اعتمد على إسكات اكبر قدر ممكن من الأصوات التي تحاول على اقل تقدير إصلاح ما تبقى من خرابه، بالتالي فقوة الدولة انعكست على واقع حياة المواطن وهنا اصبح التقسيم ضروريا (الطائفي - الديني - القومي) بالنسبة للنظام فلم يفرق بقسوته فكل من قال لا أو لا يجوز، ولا بد كان في تلك المنزلة السفلى التي ستجعل منه هدفا، لا بد من الوصول إليه من قبل أجهزة هذا النظام القمعية، وحتى يقبل الجميع بالمعادلات السياسية التي يكتبها النظام كان لا بد من أن تحتضن الأرض شعبا آخر، شعبٌ حاول أو فكر البعض منهم أن يفكر ويطرح ويُحلل ويعترض لتكون النتائج أطفالا ونساءً وشيوخا منهكين فوق الأرض ورفاتا تحت الارض.