محمد حنيف
ترجمة: بهاء سلمان
يمكن للمرء البحث عن أخبار حرب الباكستان على النساء مطمورة بعمق داخل صفحات المترو ضمن الصحف الناطقة بلغة الأوردو. أنا عثرت عليها قبل عدة سنين، ولاحظت أنه بامكاني التقاط صحيفتي لأجد يوميا تقريبا أخبارا حول امرأة مقتولة. اعتقدت أنها لربما تكون مصادفة، ولربما كراتشي تعد مدينة كبيرة تحصل فيها هذه الأمور؛ غير أن الحالة بقيت متواصلة، وصارت معتادة لدرجة أنني أستطيع التقاط الصحيفة، وأفتح الصفحات نفسها بالتحديد، مثلما يمكنك تماما إيجاد أماكن الكلمات المتقاطعة أو رسائل الى المحرر، فكانت تلك الأخبار في محلها دوما.
تتغير الأسماء، والأماكن، وكذلك العلاقة بين القتيلة وقاتلها، وبالطبع هناك اختلافات ثانوية على كيفية مقتل الضحية ومكان العثور على الجثة، لكنه كان موجودا دائما: عمود مفرد، بأربعة سنتمترات. غالبا ما كان لايذكر اسم المرأة، فهي شقيقة فلان أو أم لأربعة أبناء، أو فتاة هربت مع عشيقها أو بنت رفضت الزواج من شخص تقدم لها.
أحيانا، يتم تقديم الخبر الى مقدمة صفحة قسم المترو، لكن السبب يكون لأن الجريمة بشعة للغاية، أو قتل القاتل لنفسه بعد الإجهاز على المرأة، أو أن الضحية صغيرة بالعمر، أو لأن القاتل قتل الأطفال بمعية أمهم، وهذه الحالة الأخيرة تنتهي عادة بوضعها في الواجهة إذا كان اليوم لا يحمل أخبارا مهمة.
لدى الصحف الباكستانية أيام عطلة، وهناك أيام في السنة لا تصدر فيها أي صحيفة، التقطت صحيفة اليوم التالي للعطلة وتوجهت للصفحات نفسها، متأملا اتّخاذ القتلة استراحة في يوم العطلة، لكن بدلا من مقتل إمرأة واحدة، حصلت جريمتان، ووضعت القصتان معا في العمود نفسه وبالحجم كذلك.
أرقامٌ مرعبة
قتلت أكثر من 1100 إمرأة في الباكستان سنة 2016، والسنة السابقة لها شهدت مقتل أكثر من ألف امرأة. وجمعت هذه المعلومات من الشرطة وتقارير الصحافة، وما زلنا نعمل على تجميع معلومات حول أعداد السنتين الأخيرتين. ومن الثابت القول أن هناك العديد من القضايا الأخرى التي لم يتم ابلاغ الشرطة بها أو نشرها بالصحف، لأن غالبية جرائم القتل تحصل داخل العائلة، حتى إذا لم تكن العائلة متواطئة في الحادثة الحقيقية، فهي تسعى دوما الى حماية الجاني.
هناك العديد من الطرق لقتل إمرأة ما، فهناك الطعن والرمي بالرصاص والشنق بالحبل والإغراق بالماء وتفجير طباخ غازي لجعل الجريمة تبدو كأنها حادثة مطبخ. وتنجو بعض النساء لأن قاتليها لم يستخدموا ما يكفي من قوة، أو لأنهن ببساطة محظوظات. ونجت “خديجة صديقي”، طالبة، من 27 جرحا بطعنات في وجهها ورقبتها، وعشيقها السابق الذي نفذ الاعتداء في مكان عام خرج بكفالة بعد الحادثة بشهور. تمكّنت خديجة من نشر قصتها في الصفحة الأولى لقسم المترو، وحتى في بعض العروض التلفزيونية لأنها مصابة بـ27 جرحا يمكنها إظهارها، وتملك شجاعة لمواجهة كل التهديدات والعار الملقى على كاهلها.
هناك وسائل كثيرة للإفلات من عقوبة قتل إمراة، فالمعتاد والسهل هو إدّعاء القاتل أنها من جرائم الشرف، والمرأة جلبت العار للعائلة. وفي مثل هذه الحالات، تكون الشرطة متفهّمة، والقضاة متساهلين، والقانون بحد ذاته يوفر منافذ بتسمية الجريمة بقتل العاطفة، لينتهي الأمر بالحكم سنتين على الجاني. أما إذا كان القاتل من أصحاب النفوذ (وحتى ضمن العائلة الفقيرة، الرجل القاتل ذو سطوة، وحياته تساوي أكثر بكثير من المرأة المقتولة)، ربما تسامح عائلة الضحية القاتل. حاليا، تم تشديد القوانين، لكن هذا لم يقلل من وطأة حالات القتل.
دم رخيص
هناك طرق كثيرة تجلب بها المرأة العار الى العائلة، ففي السنين الماضية، قتلت بعض النساء بسبب غنائهن في حفلة زفاف، أو مراسلة الفتيان بالهاتف النقال، أو رفض الزواج بأحدهم، وأحيانا لمجرد التقاطهن لصورة
سلفي.
وإذا ما وضعنا باعتبارنا تلك الأرقام المروّعة وتصنيف الباكستان كسادس بلد من حيث انعدام الأمان بالنسبة للنساء في العالم، يعتقد الواحد منا وجود جدل مستعر حول المسألة، وتوقع حراك برلماني ومؤسسات بحثية وفكرية تسعى الى تحديد الأسباب الكامنة وراء مقتل الكثير جدا من النساء؛ لكن للأسف، الموضوع غير مدرج ضمن جدول الأعمال الوطنية، فمتى ما يفتح جدل، وهذا يحصل لفترة وجيزة فقط بعد حصول جريمة بشعة للغاية، كما حدث العام الماضي حينما اغتصبت وقتلت طفلة بعمر ست سنين، يتعرّقل الجدل بسبب الآراء الدينية الصارمة، وتلقى باللائمة على تأثير الغرب، وتنشر احصائيات عن حالات الاغتصاب والعنف المنزلي.
وخرجت ناشطات نسويات في بداية هذه السنة في تظاهرة بمناسبة يوم المرأة العالمي، وتميّزت التظاهرة برفعهن للافتات وشعارات ذكية، كان من بينها ما أغضب الرجال في الباكستان لأنها ركزت تسلّط الرجال عبر أفكار ساخرة مبتكرة تعترض على النظرة غير المنصفة للمرأة من قبل الرجال.
وبين عشية وضحاها، بدا أن المشكلة في الباكستان ليست الذبح المتواصل للنساء، لكن عدة لافتات وملصقات تسخر من عادات الرجال السيئة، فبعد التظاهرة، أطلقت الكثير من التهديدات بالاغتصاب والقتل، وأقر أحد مجالس المقاطعات قرارا يشجب المتظاهرات لنشرهن علنا أمورا سوقية وقيما
غربية.
هدأ الغضب الآن من ما أفرزته التظاهرة، لكن المجزرة البطيئة والمنتظمة للنساء لا تزال هناك في الصحف الداخلية لقسم المترو. وقبل أيام قليلة، ضربت إمرأة وإرغمت على شرب مادة حامضية من قبل زوجها بسبب خلاف عائلي. المرأة نجت، لكنها لم تتمكّن من نشر قصتها على الصفحات الأولى.
صحيفة الغارديان البريطانية