نازك بدير*
في الثامن من شهر مايو الجاري، أعلن البنتاغون اكتمال العمل في بناء الرصيف العائم وذلك بعد مرور 60 يوماً على بدء الأشغال فيه. وقد بلغت تكلفته حوالي 320 مليون دولار بتمويل من شركاء الولايات المتحدة، وحلفائها. ذكرت صحيفة الغارديان البريطانيّة أنّ هذا الرصيف لن يكون سوى “ستار دخان” لغزو إسرائيل مدينة رفح. أُسندت مهمة إنشائه إلى حوالي ألف عسكري من الجيش والبحريّة الأميركيّة، إضافة إلى جهات أخرى قدّمت المساعدة، لم يُكشَف عن هويّتها. التعتيم لا يتوقّف عند هذا الحدّ، إنّما يتجاوزه إلى الجهات المعنيّة بالإشراف على توزيع المساعدات. عهدت واشنطن إلى شركة Fogbow الاستخباراتيّة العسكريّة مهمة مراقبة شحنات المساعدات قبل أن تبحِر من ميناء لارنكا، وتنظيم حركتها عند وصولها إلى الرصيف العائم. تجدر الإشارة إلى أنّ Fogbow تديرها مجموعة من المسؤولين العسكريين الأميركيين السابقين. نائب رئيس الشركة، مايك ملروي، شغل سابقاً منصب مساعد وزير الدفاع الأميركي لشؤون الشرق الأوسط، فضلاً عن عمله 20 عاماً في وكالة الاستخبارات المركزيّة، وكان قائداً في مركز الأنشطة الخاصّة للعمليّات البريّة والبحريّة في الوكالة.
حول هذا الرصيف”الهجين” تنهض عدة ملاحظات، أبرزها:
1 - في ظلّ وجود معبرَين بريّين هما: رفح، وكرم وأبو سالم، واللذان يمكن من خلالهما إيصال المساعدات إلى أهالي غزّة، تسقط حُجّة بناء الرصيف العائم.
2 - الحُكم على معبر “رفح” بالموت السريري، وكذلك على معبر “كرم أبو سالم”، وصرْف أعين الفلسطينيين عنهما، وكذلك وسائل الإعلام، وتسليط الضوء على الرصيف المستجِدّ.
3 -موافقة الإدارة الأميركيّة الضمنيّة على إطالة أمد الحرب، وعدم رغبتها بالضغط الفعلي على حكومة نتنياهو لإنهاء فوري للإبادة الجماعيّة.
4 - مرور المساعدات عبر”نتساريم”: لم يُشيَّد الميناء شمال شاطئ غزة حيث يتهدّد السكان الجوع، إنّما جنوب غرب المدينة، إلى الشمال قليلاً من الطريق الذي
حفرته قوات الاحتلال لتقسمها قسمين. بذلك، سيكون على شاحنات المساعدات اجتياز معبر نتساريم، وستخضع مجدًّداً إلى مراقبة سلطة قوّات الاحتلال قبل وصولها إلى الفلسطينيين.
5 - زرْع قاعدة عسكريّة أميركيّة قبالة غزّة، ما يشكّل تهديداً لأمن دول شرق المتوسّط.( على الرغم من تصريح واشنطن بعدم نشْر قوّات بريّة على الأرض).
6 - هيمنة الاحتلال الإسرائيلي على مياه شرق المتوسّط: تواجُد تلك القوّات في لارنكا لتفتيش حاويات المساعدات، وحضورها على المسار البحري، وصولاً إلى رصيف غزّة لمنع حشود المدنيّين الفلسطنيّين من الوصول إلى الشاطئ، نظير قرصنة ممرّ مائي.
7 - تهميش دور الأونروا، وتغيير نظام إيصال المساعدات من منظمات الأمم المتحدة وعبرها، إلى شركات استخباراتيّة خاصّة بإشراف الاحتلال.
8 - إحاطة موضوع تسليم المهام على الأرض بضبابيّة يضع علامات استفهام حول الجهات التي ستتولّى تلك العمليّات، وتحتكّ مباشرة مع المدنيّين.
9 - محاولة تلميع صورة أميركا أمام الرأي العامّ العالمي بأنّها تسعى جادّة لإيصال المساعدات إلى القطاع، وأنّ الكيان لا يعيق عملها.
10 - تكريس احتلال مزدوج إسرائيلي-أميركي تحت ستار المساعدات الإنسانيّة.
لكن، مهما حاولت السياسة الأميركية التعتيم على الأسباب العميقة التي دفعتها إلى إنشاء هذا الرصيف، المرحلة القريبة المقبلة كفيلة بإجلاء الحقائق.
أكاديميّة لبنانيّة