علي الخفاجي
لكوني من الأشخاص الذين نشؤوا وترعرعوا على قراءة الكتب الورقية تراني مدافعاً عنها وبقوة حيث المتعة الجميلة والإحساس العالي بما هو مكتوب بالإضافة إلى رائحة الطباعة التي اعتدت والى الآن على شم الكتاب قبل قراءته وكان هذا الطقس يساعدني على القراءة الجيدة للكتاب وهضم ما هو مكتوب، الأمر الذي جعلني متمسكاً إلى اليوم ومدافعاً عن الكتاب الورقي على الرغم من التكنولوجية الحديثة التي ساهمت وجعلت القراءة ميسرة وبسيطة ولا تحتاج إلى عناء البحث في دكاكين الكتب أو على قارعة الطريق، لكني ورغم ذلك بقيت على تلك العادة القديمة ولعلني أستمر بذلك.
من الرائع أن تجد في بلدٍ ما فضاءات واسعة ومَجمعا للعلمِ ومركزاً لتجمعِ الأدباء والكتاب والمثقفين والمهتمين فضلاً عن آلاف الكتبِ والمصادرِ والبحوث، فهذا إن دل على شـيء فأنه يدلُ على أن وضع القارئ والقراءة بخير وان المجتمع يسري بالطريق الصحيح لكسب الثقافةِ والتعلم مستغلاً إنصاف الفرص لهذا الغرض، الحديث عن شارع المتنبي يأخذنا إلى وقت بعيد تفخر به الأمة لما لهذا الشارع من أهمية كبيرة وتاريخ قديم يمتد لقرن من الزمن أو اكثر من ذلك حسب بعض المصادر والتي ترجعهُ إلى فترة الحكم العباسي المتأخر، حيث ملتقى العلمِ والعلماء والباحثين عن الثقافة، ذلك الشارع الذي اصبح مقصداً لزوار البلد وسياحه لما يتمتع به من شهرةٍ تتخطى الحدود ومَعلماً من معالم بغداد
الجميلة.
غالباً ما يترد في المحافلِ والمقاصدِ والعناوين مصطلح العولمة، حيث صار هذا المصطلح الأكثر تأثيراً والأشدُ وقعاً على المجتمعات كافة فهو بمفهومه العام يعتبر مسار انفتاح شعوب العالم بمختلف المجالات، وإذا ما لاحظنا هذا التعريف البسيط فهو يعتبر في غاية الأهمية، لما له من دور في تبادل الثقافات والأفكار والمعلومات التي من شأنها الإرتقاء بالمجتمعات والأفراد، إلا أن مايحصل اليوم ونتيجة تقلبات الواقع أمست العولمة تؤثر بشكلٍ كبير على جميع المجالات الحياتية ومن هذه المجالات هو المجال الثقافــي حيث أدت إلى ابتعاد الأفراد عن الثقافة بسبب السلبيات الثقافية إن صحت تسميتها مما أدى ذلك إلى الفقر الفكري والمعرفي وحتى القيمي، وما دمنا ندور في هذا الفلك فلا بد لنا الحديث عن ظاهرة بدأت تستشري بالمجتمع العراقي وهي ظاهرة الخواء الفكري وهي ظاهرة ليست بجديدة لكنها اليوم وبفضل المحتويات السلبية والهابطة التي تعرض على مواقع التواصل الاجتماعي بدأت تتأصل وبشكلٍ كبير وهي الابتعاد عن كل ما من شأنه تحريك الفكر وتقويم العقل وبالتالي الابتعاد عن المعرفة والقراءة والثقافة، وهنا لسنا بصدد ان نعمل مقارنة بين الشعب الفلاني والشعب الفلاني الآخر، فالأول يقرأ بالحافلةِ وفي المنزلِ وفي العمل والآخر لا يقرأ ولا يجهد نفسهُ بالقراءة، فهنا أعتقد أن هذه المقارنة غير موضوعية بالمطلق لأن الظروف العامة والاستقرار الذي يعيشه هذا البلد تختلف عن الظروف التي يعيشهُ البلد الآخر، لكن ما يميز الشعوب الحية عن غيرها هو كيفية النهوض بالواقع، اما الأخرى عليها ألا تكتفي بندب حضها العاثر وان تسعى لنهضة شاملة لانتشال وضعها العام وخصوصاً الثقافي.
لا نريد أن نكون سلبيين بالطرح ولا متشائمين بما نحن عليه لكن نتمنى أن نكون اكثر وعياً وأشد انتباهاً كي نواجه بعض الصعاب حيث القراءة كما يذكر الكاتب الانكليزي بوسطن شو بأنها سلاح العظماء، ما يجري اليوم في شارع المتنبي هذا المَعلم الحيوي النابض بالعلم والفكر لا يسر عدواً ولا صديقا، فرواد هذا الشارع العظيم بدأوا بالانحسار
نتيجة مزاحمتهم من قبل الدخلاء على الثقافة والمتصنعين لها، وبدا السواد الأعظم لأولائك الذين يرتادون هذا المَعلم ليس لغرض المطالعة والقراءة، بل لالتقاط الصور وأكل الدولمة
والأندومو.