فضاء الإعــلام المتحّول والسياسة العامة

آراء 2024/05/23
...

 د. محمد وليد صالح

أسهمت إشكالية الهيمنة والتطورات التكنولوجية والمعلوماتية في ظهور المشكلة الاتصالية، نتيجة لسيطرة أغلب الحكومات على معظم وسائل الاتصال الجماهيري وتأطيرها لتعكس الصورة المشرقة لفعالياتها تجاه الجمهور بغية المحافظة على الاستقرار العام، في حين أن وسائل الاتصال الجماهيري في الدول المتقدمة تعامل على أساس كونها مشاريع استثمارية تمول ذاتياً وتحقق أرباحاً، نظراً لما تتمتع به مجتمعاتها من نزوع نحو الاستقلالية في ظل إيقاع الحياة المتسارع فيها.
وكرس تطور التقانات التي شهدها مجال الاتصالات اختلاف السياسة العامة، فدول العالم المتقدم تؤمن بالرأسمالية فلسفة سياسية واقتصادية، أما دول العالم المتأخر فتسعى إلى تنمية مواردها البشرية والاقتصادية والسياسية، وهذا ما ينعكس على طبيعة المعايير المعتمدة في عمل الإعلام.
فنرى العديد منها في تلك الدول توفر الدعم المالي للمؤسسات الإعلامية فيها، ولا تنتظر منها تحقيق أرباحاً أو تمول ذاتياً، وبالتالي فأن هذه الوسائل تستحضر فيها هذه الاعتبارات عند قيامها بإجراء التغطيات الإخبارية، لقد أدى ازدياد حدة التنافس بين وكالات الأنباء والمحطات الإذاعية والتلفزيونية في العالم والتطور التكنولوجي بوسائل الاتصال، فضلاً عن توافر بعض التشريعات إلى توافر الحرية النسبية لعمل تلك الوسائل في الحصول على المعلومة ومتابعتها أو بثها ونشرها.
وفي الوقت الذي تركز وسائل الإعلام الرقمية، على الفورية والأهمية والمفاجأة والقرب المكاني والإثارة والاهتمام الإنساني والشهرة والضخامة والصراع والجنس والسلبية والإمتاع والترفيه والاستمرارية والإلهام والتأثير الشخصي، ففي دول العالم تركز على ما يحمله الخبر من محتوى تنموي في مقدمة معايير اختياره وأهمية نشره، فضلاً عن المسؤولية الاجتماعية واستحضار الواقع الثقافي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي في المجتمع لدى القائم بالاتصال عند إعداد رسالته الاتصالية، لتعميق التكامل والشعور الوطني لأبناء المجتمع، وتثقيف الجمهور بالأمور المتعلقة بالرعاية الصحية والاجتماعية والثقافية التي تهم حياتهم اليومية، والفائدة أي مدى ما تحمله في محتواها من منافع شخصية تعود على الجمهور، والإمكانية التقنية لمواجهة النقص الحاصل في التقانات الاتصالية المتطورة الذي يسهم في اعتماد الدول النامية على المنتجات الإعلامية في الدول المتقدمة.
بهدف فرض الموضوعية ومعالجة الهيمنة من جانب واحد، وحرية الحصول على المعلومات ونشرها، وصولاً إلى إرساء تقاليد إعلامية مواكبة لتلك التحولات ونابعة من تراثها الثقافي والاجتماعي والسياسية ومتطورة بتطور تقنيات وسائل الاتصال، التي تسهم في بلورة وترسيخ نظرة جديدة لحركة المجتمع الدولي، وما ستشهده معظم دول العالم من تحولات مهمة في مجال التكنولوجيا المعاصرة.