حيازةُ السلاح.. هاجسٌ متأصّلٌ في الشخصيَّة العراقيَّة

ريبورتاج 2024/05/26
...

   رحيم رزاق الجبوري

حينما تتعرض الدول إلى حروب وانقلابات متكررة، وصراعات واضطرابات داخلية، يقينا يفضي ذلك إلى تخلخل في نظامها السياسي، وينتج عن ذلك تراجع وغياب واضح في بنية الدولة ومؤسساتها. وبالتالي كل هذه العوائق والمصاعب تنعكس على المجتمع في كل مفاصله الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والصحية والأمنية. 

ولعل الظروف العصيبة التي مرت على بلادنا أثرت بشكل كبير لا سيما في الجانب الأمني مما دعا غالبية المواطنين على حيازة السلاح حفاظا على سلامتهم وممتلكاتهم. 

ولم يكن امتلاك وحيازة السلاح لدى العراقيين وليد اليوم، فالمجتمع اعتاد على رؤية السلاح في البيت وفي مفاصل متعددة، بسبب عسكرته منذ سنين طويلة حملت في طياتها الخوف والذعر الذي ولدته الأنظمة الحاكمة، وزرعت هذا الهاجس في نفسه، لكن دوافع امتلاك السلاح فيه نزعة قديمة في داخل الفرد العراقي، لاعتبارات نفسية ومجتمعية. علما بأن حق امتلاك وحمل السلاح الشخصي يختلف بشكل كبير من دولة لأخرى وحسب القوانين النافذة التي تضعها هذه الدول. ولا يزال الجدل يدور عن هذا المفصل المهم في أروقة المنظمات الدولية التي تعنى بحقوق الإنسان لما يمثله من خطر يؤثر في السلم المجتمعي للدول التي تسمح لمواطنيها بامتلاك السلاح وحيازته.


اضطراب الشخصيَّة

يقول د. جميل التميميّ (استشاريّ الطبّ النفسيّ): "إن حمل السلاح والاستعراض به بطريقة مبالغ فيها قد تكون خلفها اضطرابات نفسية متعددة. ولكن أهمها هو اضطراب الشخصية، والذي نطلق عليه اضطراب الشخصية الاستعراضية أو الدرامية، إذ تمتاز هذه الشخصية بخواء ذاتي، بمعنى ليس لديه عمق وقيمة ذاتية ولذلك يحاول ملء هذا الفراغ الداخلي بسلوك استعراضي خارجي سطحي مبالغ به ويتسم المصاب بهذا الاضطراب بقلة الثقة بالنفس ومحاولة لفت انتباه الآخرين بأي وسيلة متاحة تقوده إلى تصرفات درامية أو غير لائقة. ولأن السلاح في الموروث الشعبي يعكس قوة وفحولة الرجل لذلك هو يضطر إلى الاستعراض به للتعويض عن نقص وضعف القوة والفحولة في قرارة نفسه دون أن يشعر بهذه الحقيقة. وهذا السلوك الاستعراضي عند بعض الرجال، هو لا يختلف من وجهة نظر نفسية عن السلوك الاستعراضي عند بعض النساء في المبالغة بالتبرج ولبس ملابس مثيرة لجذب انتباه الآخرين، بسبب نقص وضعف داخلي في النفس البشرية، وتعويض هذا النقص الداخلي بمظاهر خارجية استعراضية دون أن تشعر النساء بدوافع هذا السلوك".


الحروب وآثارها النفسية

وتشير د. أسماء عبد الجبار سلمان (مركز أبحاث الطفولة والأمومة/جامعة ديالى) إلى أن: "العراق من البلاد التي تعد فيها ظاهرة امتلاك السلاح واستخدامه في كل المناسبات السعيدة أو الحزينة أمرا مهما جدا؟ والفرد العراقي يعتقد أن امتلاك السلاح في المنزل هو سمة للرجولة ورمز للقوة والشجاعة ويعتقد البعض أن هذه القوة تزداد بزيادة عدد وأنواع الأسلحة التي يمتلكها داخل منزله؛ إلا أنهم لا يدركون أن وجود الأسلحة هو من أكثر الأمور التي تثير القلق والخوف على أفراد الأسرة وتحديدا الأطفال، لأن الكبار وعلى الأغلب لا يمتلكون تدريبا لاستخدام السلاح وهم لا يحتفظون به في أماكن محكمة ويستخدمون هذه الأسلحة في أوقات عشوائية مثل الاحتفالات والأعراس وفوز المنتخبات الوطنية، وحتى مراسم التشييع للموتى بالتالي أصبح هناك مشاهد مؤثرة تعرض أمام الأطفال. ولأن عالمهم يغزوه ثقافة العنف والسلاح، فالألعاب كلها رموز للعدوان ومصممة لإشاعة ألعاب القتل والخطف والاغتيال سواء كانت ألعابا مجسمة أم ألعابا إلكترونية، والمجتمع المحيط بالطفل يعرض مشاهد يومية عن حالات قتل وخطف وسرقة وغيرها من مظاهر العنف ولأن هذا الطفل في مرحلة تكوين الشخصية بالتالي نحن نزرع بطريقة مباشرة وغير مباشرة ثقافة العنف والعدوان بين الأطفال الذين هم رجال ونساء الغد، فبدلا من الانتباه إلى تعليمهم وبنائهم بالشكل، الذي يضمن مستقبلا آمنا يسوده السلام والتسامح لمواجه تحديات المستقبل. لذلك نحن بحاجة ماسة وسريعة إلى الانتباه إلى خطر اقتناء الأسلحة في المنازل لأنه خطر يقتل أحد أفراد الأسرة وليس لحمايتهم".


غريزة مجتمعيَّة

بدوره يعزو كريم صالح عبدالله (خبير أمني) انتشار وحيازة السلاح لغياب الأمن، فضلا عن دواع نفسية وفطرية ومجتمعية. ولها جذور عميقة وتاريخية منذ القدم بسبب كثرة النزاعات والصراعات القبلية والشخصية، وكذلك استخدامه لحراسة الممتلكات والأموال والحماية من الحيوانات الضاربة خاصة في البادية والأرياف. ويضيف، صالح قائلا: "هناك نزعة واضحة وواضحة جدا في حب السلاح؛ والسبب يعود إلى أن الفرد العراقي يستجيب لمشاعره وأحاسيسه. ويظهر ذلك في الأفراح والأتراح فيقوم بإطلاق العيارات النارية تجسيدا لما يمتلكه من غريزة يشاطر فيها ذوي المصاب، أو صاحب الفرح؟ أما إذا هتف المطرب أو المطربة باسمه فذاك يعني أنه فتح جبهة قتال!". ويختم: "السبيل الوحيد الذي يحد أو يغير من هكذا سلوك، هو بعودة سلطة القانون إلى قوتها، وسيطرتها على هكذا تصرفات تؤثر على السلم المجتمعي. ولا ننسى بأننا نهضنا من أزمة أمنية خانقة أفضت إلى وجود وفرة في السلاح، واستمراره بهذا الشكل يهدد الوضع الأمني. ونؤكد مرارا على حصر السلاح بيد الدولة ولا خيار غير ذلك".


حروب متناسلة

فيما يرى علي فلاح الجنابي (محام وخبير قضائي) أن: "حيازة السلاح في العراق ليست وليدة اليوم. فالعراق مر عبر آلاف السنين بحروب داخلية وخارجية منذ زمن حمورابي أول من وضع الحروف الأولى لقانون ينظم سلوك الأفراد في المجتمع وطُوِرَ وعُدِّلَ لكي يتلاءم مع العصر الحالي على مر العصور والأزمان. وبدأت الحيازة من السيف والقوس والرمح والآلات الجارحة والحادة و(الفالة والمگوار) التي تسمى بالسلاح الأبيض، إلى (البرنو) البندقية، التي تسمى بالأسلحة الخفيفة. علما أن القانون العراقي يجيز لكل عائلة امتلاك قطعة سلاح واحدة لحماية نفسها، لكن يجب أن تحظى بإجازة صادرة من قبل وزير الداخلية".


تعريف الحيازة قانونا

ويضيف: "لا بد من التفريق بين الحيازة والحمل؛ فالحيازة هي أن يكون السلاح فقط داخل حدود الدار ويستخدم في حق الدفاع عن النفس المبين في المادة 42 من قانون العقوبات النافذ. ويمكن أن نعرف (السلاح الناري) وهو الذي يشمل المسدس والبندقية الآلية سريعة الطلقات والبندقية وبندقية الصيد، ولا يشمل المسدسات التي تعمل في الألعاب الرياضية. أما (السلاح الحربي) هو السلاح المستعمل لدى القوات المسلحة وقوى الأمن الداخلي، وأخيرا (السلاح الأثري) الذي يقتنى بدون عتاد أما للزينة أو للتذكار أو يوضع كرمز مثل ما موجود في المتاحف أو الأماكن المقدسة. فهذه الأسلحة معفية من الإجازة. وبالنسبة للبيع والشراء، فالأسلحة الحربية هي الممنوعة فقط، ويكون استيرادها خاص بالقوات المسلحة النظامية، أما عن بيع وشراء الأسلحة النارية فيخضع ذلك للإجازة التي تمنحها وزارة الداخلية، وعلى النحو التالي: إجازة حمل وحيازة السلاح الناري وعتاده، وإجازة إصلاح السلاح الناري، وإجازة خاصة بحيازة سلاح واحد أو أكثر، وإجازة خاصة لفتح محل لبيع الأسلحة النارية. كما تم شمول فئات جديدة بمنح الإجازات، وهم: الصحفيون، الإعلاميون، الأطباء، الاستشاريون، المحامون، التجار من الفئة الأولى والثانية لمن يمتلكون هوية غرفة تجارة، أصحاب منافذ توزيع الرواتب مع جلب تأييد من شركة كي كارد، المقاولون من الدرجة الأولى والثانية مع جلب تأييد من اتحاد المقاولين، والصاغة مع تقديم إجازة ممارسة المهنة وتأييد من جهاز التقييس والسيطرة النوعية من وزارة التخطيط".


قوانين ملغاة

ويستعرض الباحث في الشؤون القانونية، أبرز القوانين الخاصة في مجال تنظيم وحيازة السلاح، إذ يقول: "في العراق شُرِّعَ قانون الأسلحة المنظم لسلوك الأفراد في المجتمع، ووضع قواعد حيازة وحمل الأسلحة على النحو التالي:

1 - قانون رقم 4 لسنة 1961(ملغى) 

2 - قانون رقم 95 لسنة 1963 (ملغى)

3 - قانون رقم 151 لسنة 1968 (ملغى) 

4 - قانون رقم 13 لسنة 1992 (ملغى)

5 - قانون رقم 51 لسنة 2017، وهو القانون النافذ الحالي الذي يطبق في كل المؤسسات الحكومية والمحاكم".


عقوباتٌ صارمة

ويكمل: "كما نصت المادة 24 من القانون الحالي، على فرض عقوبات شديدة لكل من يمتلك سلاحا دون إجازة، أو يتاجر به، أو يقوم بتهريبه أو تصنيعه، وتتعدد الأحكام من الإعدام في أقصاها، إلى الحبس لسنة، أو سنتين أو ثلاث وصولا إلى10 سنوات، مع فرض غرامات مالية، وتخضع هذه الأحكام حسب نوعية الحيازة وخطورتها كما فصلتها المادة أعلاه".


قواعد وضوابط وتنظيم

ويتابع الجنابي، قوله: "وبحسب قرار مجلس الوزراء الأخير المرقم 24045 لسنة 2024 شراء الأسلحة الخفيفة والثقيلة ومدة نفاذ القرار نهاية عام 2024 ويكون التقديم عن طريق بوابة أور والخدمة مجانا يضاف الاسم والتولد ورقم الهاتف وبعدها تصل رسالة نصية أربعة أرقام وبعدها يحصل على استمارة ومن ثم يراجع مركز الشرطة القريب من المنطقة وبعدها لجنة تذهب إلى دار صاحب السلاح. والموضوع حاليا اختياري وبعد نهاية العام الحالي تصدر قرارات جديدة وفي حال كشف أكثر من سلاح يتم سحب القطع الزائدة وإصدار باج خاص لكل قطعة سلاح واحدة خاصة برب الأسرة. علما أنه رصد مبلغ مليار دينار لكل محافظة لشراء الأسلحة، وللعاصمة بغداد ملياري دينار لكل من الكرخ والرصافة". 


تقديرات

ويختم: "لا يوجد إحصاء رسمي بعدد قطع السلاح الموجودة داخل المجتمع العراقي، لكن التقديرات تتحدّث عن أرقام متفاوتة تتراوح بين (10- 13) مليون قطعة سلاح متوسط وخفيف، أبرزها (بنادق كلاشينكوف)، و(بي كي سي)، و(آر بي كي الروسية)، إلى جانب (مدافع الهاون)، و(قذائف آر بي جي)؛ التي باتت تُستخدم أخيرا بكثرة في النزاعات القبلية جنوب ووسط البلاد، وباتت تهدد السلم الأهلي والمجتمعي".