تحولات القيم الإعلاميَّة

آراء 2024/05/26
...

  مثنى إبراهيم الطالقاني


 في الماضي كان الإعلام رهينة لأرقام القتل المنسيَّة ويُعدّ محرّكاً للأحداث، ولكن الآن تغيّرت المفاهيم وانقلبت المقاييس، وأصبح تطور ظروف الحرب هو أساس كلِّ نشرة إخباريَّة، والصحفي هو الهدف والضحيَّة. 

 في الوضع الراهن الذي يشهده العالم من احتدام الصراعات والتحديات المختلفة إقليمياً ودولياً استغلت العديد من الملفات والمواضيع لتحقيق أهدافها، سواء بتأثير الرأي العام أو ترجيح كفة طرف ما، أو كما في الولايات المتحدة الأميركية التي شهدت فيها التسابق الانتخابي نحو الرئاسة بين "ترامب وبايدن". 

حاول ترامب إقناع الأميركيين بحياة أحلامهم، بينما استعطف بايدن القضاء على الإرهاب وإبعاد المهاجرين، وكما هو معروف أنَّ هذه الصراعات تعود إلى الصراع القديم بين الديمقراطيين والجمهوريين، ومع ذلك، يظل منطق المصلحة هناك هو السائد. 

 قد تسببت الصراعات السياسية والاقتصادية المحتدمة منذ عام 2023 في حروب جديدة، بما في ذلك الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وحرب جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزّة، ولم تُبدد هذه المخاوف بسبب تدهور السوق العالمية مرة أخرى.

فيتم توجيه وزرع صورة الموت المحتوم في كل متابع للأحداث عن طريق لوبي الإعلام الدولي المسيطر. واستُخدم تدويل القضية الفلسطينية وشرعنة حرب إسرائيل ضد شعب غزة كجزء من سياسة الإعلام الجديدة لتلك البلدان.

في هذه السياسة الإعلامية الجديدة، يتم تدخل التوازنات بحسب الترتيب الزمني وأهمية الأحداث، ولكنها لا تلغي الأحداث التقليدية البارزة. تلك الأحداث تحتل مركز الثقل في المواد الإعلامية لدى الإعلام الغربي، مما يمنحها الاستمرارية والأولوية في مواكبة الأحداث، بعيداً عن المعايير المهنية للإعلام. تغيير موازين القيم الإعلامية في ظل الصراعات الدولية يعكس تحولاً كبيراً في دور وتأثير الإعلام. إذ أصبحت الأجندات السياسية والاقتصادية تسيطر على المحتوى الإعلامي، ويتم استغلال الأحداث والملفات لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية محددة.

وهذا ما يجب إدراكه بتحليل المعلومات وفهم السياق قبل أن نقبلها على أنها حقائق مطلقة. بالرغم من هذا التحول يبقى من المهم أن يلتزم الصحفيون ووسائل الإعلام المعايير المهنية والأخلاقية، عبر سعي هذه المؤسسات لتقديم المعلومات بشكل دقيق ومتوازن، وأن يعرضوا وجهات نظر متعددة ومتنوعة للقضايا المختلفة دون أخذ مساق ازدواج المعايير بالانجراف وراء الأجندات السياسية والاقتصادية، بعيداً عن انتهاك المعايير وتضليل رسالة الوعي والتفاهم التي هي جزء من المبادئ المهنية في الإعلام. 

كما ينبغي أن يكون الإعلام أداة لنقل الحقيقة وتوفير الوعي، وليس وسيلة للتلاعب والتأثير، وهذه مسؤولية المؤسسات الصحفية والإعلامية المستقلة في هذا العالم المنقسم. وهنا يتطلب من النقابات والمراكز الصحفية العالمية أن تعمل على تطوير مشهد إعلامي يعكس التنوع ويسهم في بناء عالم أفضل وأكثر عدالة.