الاعتراف الأوروبي ومحكمة العدل

آراء 2024/05/28
...

باقر صاحب

يمكن القول إنّ هناك تطوراتٍ لافتةً للنظر في الحرب على غزّة، تمثّلت باعتراف ثلاث دولٍ أوروبيةٍ مؤخراً، وهي إسبانيا والنرويج وأيرلندا، بالدولة الفلسطينية، ما يضيف زخماً دولياً جديداً، يدفع باتجاه تأسيس الدولة الكاملة المستقلة، وكون هذه الدول أوروبية، يعني حدوث شرخٍ في جدار القارة العجوز، الذي كانت غالبية دوله تدعم الكيان الصهيوني سياسياً واقتصادياً وعسكرياً
ما يعني أنَّ الضغط الدولي على هذا الكيان، بدأ يزداد حدّة، لجهة وقف حرب الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين، التي دخلت مساراً بشعاً بشنّ الحرب على رفح، لأجل التفكيك النهائي لحركة حماس وتصفية قادتها، كما تزعم حكومة الكيان الغاصب.
ويصف مراقبون بأنّ الاعتراف الأوروبي الجديد من قبل ثلاث دول، خطوةٌ أخلاقية، كان من الضروري اتّخاذها كون أنّ عناصر قيام الدولة، متوفّرة في فلسطين، كما أنّ هذه الخطوة تسهم في تنبيه الرأي العام العالمي بضرورة إيجاد حلٍّ عادلٍ للقضية الفلسطينية عبر إنشاء الدولة المستقلّة.
وقد بلغ عدد الدول الأوروبية المُعترفة بدولة فلسطين 11 دولة، من أصل 147 دولة في العالم، بما فيها الدول الأوروبية الثلاث.
أهمية الخطوة الأوروبية الجديدة تُقاس بالرد الصهيوني على القرار الأوروبي، فقد وُصف بأنَّهُ ردٌ «هستيري»، فإذا كان زعيم المعارضة يائير لبيد عدّ القرار بأنّه « فشل سياسي غير مسبوق»، فإنّ وزراء حكومة نتنياهو، تصرفوا كما لو أن الخناق بات يضيق على دولة الاحتلال، فاقتحم وزير الأمن القومي حرم المسجد الأقصى، وقام وزير المالية باحتجاز أموال الضرائب للسلطة الفلسطينية، وغيرها من الإجراءات، التي يُراد منها إضعاف الدولة الفلسطينية، التي يزداد الاعتراف بها دولياً، وهنا يُشار إلى أنّ صيغة الإعلان المشترك لرؤساء وزراء اسبانيا والنرويج وأيرلندا، توحي بأنّ هناك إجراءاتٍ دبلوماسية، ستُّتخذ من قبل هذه الدول، تعزيزاً لخطوة الاعتراف، بما يعني أنّه سيكون هناك في المستقبل القريب حضورٌ كبيرٌ للموقف الفلسطيني في السياسة الأوروبية.
الخناق الآخر الذي بدأ يلتفّ على أقطاب الحرب الصهاينة، هو طلب المدّعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان إصدار مذكرات اعتقالٍ بحقّ رئيس الحكومة نتنياهو، ووزير الدفاع غالانت، حيث أنّ التّهم المُوجّهة إليهما، بحسب خان» التسبب في الإبادة، والتسبب في المجاعة كوسيلةٍ من وسائل الحرب، بما في ذلك منع إمدادات الإغاثة الإنسانية، واستهداف المدنيين عمداً في الصراع»، ما يجعلهما منبوذين دولياً، خاصّةً من قبل البلدان الملتزمة بقرارات المحكمة الجنائية، وقد أعلنتِ النرويج، أنّها ستعتقل المُشار إليهما، إذا صدرت مذكرتا اعتقالٍ بحقّهما، حال دخولهما الأراضي النرويجية، فضلاً عن أنّ هذا الإجراء يزيد التطاحن بين أقطاب الحكومة، بشأن تقرير ما هو اليوم التالي للحرب، وهل ستظلّ حرباً مفتوحة، بلا نهاية قريبة.  كما ستظلّ قضية الرهائن المحتجزين لدى حركة حماس، ورقة ضغطٍ دائمةٍ من قبل الحركة، تصبُّ الزيت على نار الاحتجاج في الداخل الصهيوني، لأجل الضغط على حكومة الحرب، للموافقة على وقف إطلاق النار والإسراع في إطلاق سراح المُحتجزين.
وطبعاً لا ننسى هناك الخلاف المتفاقم بين الإدارة الأميركية وحكومة الاحتلال بشأن مسارات إدارة الحرب، وتعالي الأصوات عالمياً للضغط على الإدارة الأميركية في سبيل وقف التمويل والتسليح لهذا الكيان، وكذلك لا ننسى الحراك الاحتجاجي في الجامعات الأميركية المُناصر لقضية فلسطين، لما له من دورٍ في توجيه أنظار الشارع الأميركي والأوروبي لما يجري من إبادةٍ جماعيّةٍ بحقّ المدنيين الفلسطينيين.
ولكن، ينبغي أن نتساءل هنا، ماهي مسوّغات طلب إصدار مذكرات اعتقال، بحق ثلاثةٍ من قادة حماس، من قبل المحكمة نفسها، فكيف تصحُّ مساواة المقاوم مع المحتل، والضحية مع الجلاد، لا سيّما أنّ حكومة الاحتلال، تعلن بكلِّ صلفٍ وغرورٍ عن عزمها على الاستمرار في حربها على غزة، بحجّة الدفاع عن النفس وحماية مواطنيها متحدّيةً المجتمع الدولي وقرارات المحكمة الجنائية، التي تسعى دولة الاحتلال ودولٌ أوروبيةٌ إلى تهديد قضاتها وثنيهم عن إصدار مذكرات اعتقال، تهديدٍ يمكن أن يُقال عنه بأنّه « بلطجة» دولية.
لكنَّ انتصاراً جديداً للقضية الفلسطينية يلوح في الأفق، حينما أمرت محكمة العدل الدولية، أعلى جهازٍ قضائي في الأمم المتحدة، وهي محكمةٌ قراراتها مُلزمة، لكنها لا تمتلك آليات لتنفيذها، أمرت حكومة العدو الصهيوني، بتأريخ 24-5-2024 بوقف الحرب على رفح، وفتح معبر رفح أمام المساعدات الإنسانية، ما يزيد العزلة الدولية لحكومة العدو، ويضعها في مأزقٍ كبيرٍ بشأن كيفية التصرّف في الخيارات المطروحة على الأرض، فباتت بين كمّاشتين؛ الاعتراف الأوروبي وقرارات وأوامر المحكمتين الجنائية والعدل الدوليّتين.