مَنْ المستفيد من قرار المحكمة الجنائية الدولية؟

آراء 2024/05/28
...







 سناء الوادي

مما لاشكَّ فيه أنَّ طلب المدَّعي العام للمحكمة الجنائية الدولية “ كريم خان “ من الهيئة العليا استصدار مذكرة اعتقال بحق بنيامين نتنياهو رئيس حكومة إسرائيل ووزير دفاعه يوآف غالانت، قد أثار غضباً عارماً داخل الأوساط السياسية لدولة الاحتلال، فضلاً عن سيل التهديدات الذي وجهه كبار المسؤولين في أمريكا عبر اتصالات مكثفة ل “خان”، فما أن ألغيت الزيارة المقررة لعدد من أعضاء الجنائية الدولية لتل أبيب في 20 مايو/ آيار الجاري، والتي كان من المفترض أن تعقبها زيارة للمدَّعي العام في أسبوعٍ لاحق، حتى انصدم الإسرائيليون بأنَّ النظام الدولي الذي رعته أمريكا لسبعين عاماً خلت لم يعد لخدمة البيض ومصالحهم فقط، فهم لم يستيقظوا بعد من هول قرار محكمة العدل بقبول دعوى دولة جنوب افريقيا باتهام إسرائيل الكيان الديمقراطي الأسمى في الشرق الأوسط وجيشها الأكثر أخلاقية في العالم بارتكاب جرائم الإبادة الجماعية.
تتوالى الكوارث السياسية والدبلوماسية على رأس نتنياهو وحكومته منذ اندلاع طوفان الأقصى وكأنما قُدِّر لهذا اليميني المتطرف هندسة النهاية لهذا الزرع الشيطاني وبداية تخلّق دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة، فعلى أعتاب التضحيات الكبيرة التي قدّمها أهل غزة بصمودهم ودمائهم تحطمت السرديات الصهيونية الزائفة بمظلومية الهولوكوست النازية ضد اليهود، فغدت أصابع الاتهام المتجهة إليها بارتكاب الفظائع ترتفع أكثر فأكثر.
هذا وبدأت الدول الأوروبية بالتخلي تباعاً من الدفاع المستميت عن خيارات واشنطن في العالم والوقوف خلفها، فها هي ذا فرنسا وألمانيا فضّلوا الوقوف مع القانون الدولي ودعم المحكمة الجنائية ومكافحة الإفلات من العقاب، ذلك فضلاً عن 124 دولة غيرهم وقعت على اتفاق روما، وهو ما وضع الولايات المتحدة الأمريكية في الزاوية الحرجة، فإمّا الحفاظ على مصداقيتها بخطابٍ كانت تبثه لدول العالم الثالث مضمونه “حافظوا على النظام الدولي من أجل مصالحكم”، وبين ما سرّبه المدعي العام “كريم خان” نفسه لشبكة CNN قائلاً (تلقيت اتصالات من زعماءٍ منتخبين فيها تهديد واضح بأن هذه المحكمة أنشئت من أجل الدول الإفريقية أو القادة
المجرمين).
فهل تدعم أمريكا قرار الجنائية فقط عندما يتعلق بأمر اعتقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والذي صدر في العام الماضي، وما سبقه من أوامر اعتقال بحق قادة عرب كالبشير والقذافي أو ما تعلق منها بحق أشخاص اعتبرتهم واشنطن مارقين على وجودها وهيبتها في العراق وإيران وأفغانستان، إنَّ كمَّ الغضب الذي بثه المسؤولون الأمريكيون على وسائل الإعلام بشأن قرارٍ لو استصدر فعلاً في الأيام المقبلة يدلل على كونه سيقوّض وبشدة الهيمنة التي تمارسها واشنطن على النظام الدولي القائم وما يحمل في طياته من تحدٍّ بالغ لسيادتها، وقالها صراحة رئيس مجلس النواب مايك جونسون “إذا ما سمحنا للجنائية الدولية باتهام قادة إسرائيل فسيكون دورنا التالي”.
ولو وضعنا قرار الجنائية الدولية في سياق المستفيد والمتضرر، لوجدنا أن دول العالم ككل ستحصد النتائج المثمرة إذا ما ساد القانون الدولي فعلياً وأنهى شريعة الغاب، التي تحكم فيها الدول الكبرى وتسيّر سفينة الثواب والعقاب وفقاً لرياح منفعتها وحلفائها، فضلاً عن ذلك فإنه من فضائل ذلك أيضاً تزكية السردية الروسية التي قدمها بوتين للعالم بأن أمريكا التي تدعم إسرائيل المعتدية بالسلاح والمال وحق الفيتو، هي التي وقفت سابقاً خلف أوكرانيا ودمرت أرضها وهجرت شعبها فقط لإثبات الهيمنة الأمريكية “الناتو” على حدود موسكو.
ومن جهة أخرى فإن المباحثات المكثفة التي يقودها مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان حول التطبيع بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل ستقف على حافة الهاوية، هذه الصفقة التي يسعى إليها جاهداً “جو بايدن” قبل انتهاء ولايته كما وتتحطم أماني نتنياهو الطموحة بأن تصبح إسرائيل الدولة المحورية في الشرق الأوسط سياسياً ـ بعد الاتفاقات الإبراهيمية ـ وتجارياً ـ بعد الإعلان عن مشروع الممر العظيم الذي يعبر إسرائيل إلى أوروبا ـ فهل من المعقول أن تخطو الرياض لإبرام علاقات مع دولة انضمت لنادي الدول السيئة السمعة برئيس متهم قانونياً بارتكاب شتى الموبقات، لقتل وتهجير الفلسطينيين أصحاب الأرض وهي التي تضع مطلبها الأساسي للموافقة على التطبيع في رأس القائمة تطبيق حل الدولتين والاعتراف بالوجود والسيادة الفلسطينية، وعلى ذلك فإن عديد الصفقات الأمنية للكيان المحتل مع دول العالم ستتأثر عقب صدور القرار وسيعاد النظر بها. أنه تسونامي هائل يتدفق بقوة على الكيان المحتل وكل من يقف  وراءه.

كاتبة وإعلامية سورية