محنة رئيس البرلمان

آراء 2024/05/28
...

سلام مكي

المشرع العراقي، لم يعالج حالة خلو منصب رئيس البرلمان لا في الدستور ولا في قانون مجلس النواب وتشكيلاته رقم 13 لسنة 2018، وترك للنظام الداخلي الأمر، حيث نصت المادة 12 من النظام الداخلي: إذا خلا منصب رئيس المجلس أو أي من نائبيه لأي سبب كان، ينتخب المجلس بالأغلبية المطلقة، خلفا له في أول جلسة يعقدها لسد الشاغر وفقا لضوابط التوازنات السياسية بين
 الكتل.

لم يستطع مجلس النواب في جلسته المخصصة لانتخاب رئيسه، تحقيق نتيجة تذكر، والسبب عدم حصول المرشحين “ سالم العيساوي ومحمود المشهداني” على العدد المطلوب وهو النصف زائد واحد.
كما شهدت الجلسة بعض التصرفات المؤسفة بين عدد من النواب، لا تنم عن وعي حقيقي وإدراك تام بأصول العمل النيابي، ولا يمت أصلا للديمقراطية التي يجب أن يكون الانتخاب تحت ظلها.
إن رئاسة مجلس النواب، تحولت إلى محنة حقيقية، بعد قرار إنهاء عضوية رئيس المجلس محمد الحلبوسي من قبل المحكمة الاتحادية، قبل أكثر من 6 أشهر، فالكتل السياسية عاجزة لغاية الآن عن إيجاد بديل للحلبوسي، عاجزة عن انتخاب خلف له، فتحول الأمر إلى محنة حقيقية، رغم أن ما حدث يعد أمرا طبيعيا، حيث لا غرابة في أن يخلو أي منصب من المناصب المهمة في الدولة، لأي سبب ما، مثلما يحدث في كل دول العالم، فقد يستقيل صاحب المنصب أو يقال، أو يموت.. ولذلك، فقد وضع المشرِّع أحكاما خاصة في حال خلو المنصب من الرئيس.
المشرع العراقي، لم يعالج حالة خلو منصب رئيس البرلمان لا في الدستور ولا في قانون مجلس النواب وتشكيلاته رقم 13 لسنة 2018، وترك للنظام الداخلي الأمر، حيث نصت المادة 12 من النظام الداخلي: إذا خلا منصب رئيس المجلس أو أي من نائبيه لأي سبب كان، ينتخب المجلس بالأغلبية المطلقة، خلفا له في أول جلسة يعقدها لسد الشاغر وفقا لضوابط التوازنات السياسية بين الكتل.
فهنا ألزم النظام الداخلي مجلس النواب، في حالة خلو منصب رئيس المجلس، أن يتم انتخاب رئيس جديد، في أول جلسة يعقدها بعد خلو المنصب، أما الفقرة الأخيرة التي تخص توازنات الكتل السياسية، فهي تعطي الحق لتلك الكتل الوصول إلى حالة التوافق في ما بينها وترفض أن يكون الانتخاب وفقا للسياقات الطبيعية..
ولكن: ماذا لو لم تتوصل الكتل السياسية إلى التوافق على شخصية معينة وفقا للضوابط السياسية فيما بينها؟
هل سيبقى المجلس بلا رئيس؟
هل مدة الخلو يمكن ان تبقى إلى ما لانهاية؟ قلنا إن المادة 12 حددتها بالجلسة التي تعقد بعد خلو المنصب.
المحكمة الاتحادية وبموجب قرارها التفسيري المرقم 233/ اتحادية/2023 في 14/12/2023 الذي نص: إن خلو منصب رئيس مجلس النواب معالج بأحكام المادة (12/ثالثاً) من النظام الداخلي لمجلس النواب، وإن ذلك يقتضي انعقاد مجلس النواب لغرض فتح باب الترشيح
لرئاسة مجلس النواب لمن يرغب من أعضائه، وأن يقتصر فتح باب الترشيح على تلك الجلسة فقط، لأجل حسم موضوع انتخاب رئيس المجلس بالوقت المناسب وعدم إطالة أمد ذلك، ولا يجوز قبول أي ترشيح جديد بعد البدء بإجراءات التصويت، ويتم انتخاب رئيس المجلس بالأغلبية المطلقة في تلك الجلسة أو في الجلسات التالية بعد الجلسة الأولى (من ضمن جميع المرشحين في الجلسة الأولى - باستثناء من يطلب الانسحاب من الترشح) مع وجوب استمرار مجلس النواب بأداء مهامه خلال الفصل التشريعي وتنعقد جلساته برئاسة أحد نائبي الرئيس لحين انتخاب رئيس جديــــد لـــه، وأن لا يكون عـــدم انتخــاب رئيســــاً جديــــداً مبـــــرراً لتعطيـــــل عمــــل مجلــس النــــواب.
نلاحظ أن القرار أضاف بعد عبارة في تلك الجلسة أي الجلسة الأولى “ أو في الجلسات التالية بعد الجلسة  الأولى.
وهذا ما لا سند له في النظام الداخلي، حيث إن المادة 12 واضحة وصريحة في أن يتم انتخاب الرئيس في الجلسة الأولى بعد الخلو، ولم ينص على إمكانية الانتخاب في الجلسات التالية لها في حال عدم انتخاب الرئيس في الجلسة الأولى.
كما أقرت المحكمة بوجوب استمرار المجلس بمهامه التشريعية والرقابية، حتى لو لم يتم انتخاب الرئيس في أول جلسة ولا في الجلسات التالية عليها، وعلى المجلس أن يقوم بدوره، حتى لو لم تتوصل الكتل السياسية إلى مرشح واحد يمكنه الفوز بالعدد الكافي من الأصوات.
إن قرار المحكمة الاتحادية، لم يلزم الكتل السياسية بتاريخ محدد لانتخاب رئيس مجلس النواب، فترك الباب مفتوحا لكل الاحتمالات خصوصا وإن المزاج السياسي العام، يرفض التوصل لحل للأزمة، ومن غير الممكن بقاء المجلس دون رئيس مدة أطول.
صحيح أن قرار الاتحادية، أعطى شرعية لهذا الوضع، عبر إقراره بصحة القوانين والقرارات التي يصدرها المجلس، سواء كان منصب الرئيس شاغرا أو موجودا، لكن القرار نفسه، نص على عدم جواز إطالة أمد الخلاف.
إن بقاء الوضع على ما هو عليه، مع عدم وجود نص دستوري ولا قانوني ولا قرار قضائي يلزم البرلمان باختيار رئيس جديد له خلال مدة محددة، يعني القبول بخرق النظام الداخلي  والدستور.  ولا يسع الحديث هنا عن الاستحقاقات السياسية والتوازنات بين الكتل السياسية وهي تسميات تلطّف من التسميات الحقيقية المتمثلة بالمحاصصة الحزبية والطائفية!
لأن تلك التقسيمات وإن تحولت إلى عرف سياسي راسخ في العملية السياسية إلا أنها تبقى بلا سند دستوري وقانوني، وتبقى مجرد مرحلة سيأتي يوم وتزول، ليبقى القانون والنظام هو السائد.