علي المرهج
في كتابه {البنية البطركية} يؤكد هشام شرابي على أن مجتمعاتنا مجتمعات ذكورية يهيمن فيها الرجل على القرار في الأسرة والقبيلة والدولة، ولا تحضر فيها المرأة ولا تؤثر ولا حرية لها في القرار بمعزل عن موافقة الرجل، لذلك هي مجتمعات ذكورية ترتكن للنظام الأبوي الذي يعتمد على {علاقات القرابة والعشيرة والفئة الدينية والأثنية}.
(ص23 البنية البطركية).
اشتق هشام شرابي مفهوم النظام البطركي من مفهوم "بطريرك" في المسيحية الذي بعني (الأب الذي له سلطة اتخاذ القرار) ويُقال عنه كذلك (بطريق).
ما استغرب له هو قول هشام شرابي "إن الحركة الأصولية قد تتمكن من هدم النظام البركي الحديث والاستيلاء على الحكم) (ص25)، وهو يقصد النظام الإيراني، ولكنه هدم لنظام بطركي واقامت بديلا عنه اكثر ابوية منه.
كل حضور القبلية او حضور العصبية الدينية او المذهبية إنما هو إعادة تشكيل للنظام الأبوي" البطريكي".
"إن الفرد يضيع في المجتمع البطريكي الحديث، يضيع إذا انقطع عن العائلة او العشيرة او الطائفة الدينية.
فالدولة بالنسبة إليه، لا تستطيع الحلول كليًا محل البنى الأولية التي توفر له الحماية.
والواقع أن الدولة قوة غريبة عنه وتضطهده" (ص45 البنية البطركية).
يتجسد النظام الأبوي البطركي في مجتمعنا العربي الحديث في هيمنة رب العائلة واحتكاره للقرار كونه هو من يمتلك رأس المال ويتحكم في مصير العائلة، وهو ذاته في نظامنا التربوي حينما يكون المعلم هو المُرسل وكل ما يُقدمه من معارف ينبغي التسليم بها، والحال ينطبق على حال مجتمعنا في طاعته لرجل
الدين وطاعته والاستجابة لما يامر به شيخ العشيرة او القبيلة، والحال ذاته مع صانع القرار فهو يامر وعلى الجميع الطاعة على قاعدة (طاعة اولي الأمر).
في النظام الأبوي تتجلى الطاعة والتبعية ويغيب "الاستقلال الذاتي".
في مجتمع مثل مجتمعنا من الصعب لفرد منا أن يصل لتحقيق ما يبتغي بشكل فردي، ف (من شب على شيء شاب عليه) ومن تعلم التبعية والطاعة من الصعب عليه ان يعرف معنى "الاستقلال الذاتي".
تكمن مشكلة الفرد في المجتمع البطركي الأبوي في أن هذا الفرد لا يقدر على اتخاذ قرار مستقل عن سلطة النظام الذي نشأ وترعرع فيه، وإن تمرد فرد ما فللا يعاقبه الأب لتمرده بقدر ما تجد العائلة والمجتمع هما من يتخذان قرار العقربة بحقه لأنه تجاوز "الخطوط الحُمر"
فيما ينبغي ان يسير عليه في حياته التي رسمها له النظام الأبوي.
لا يمكن لشخص سُلبت منه كل قدرة على اتخاذ قرار ان يستقل برأيه، وكل رأي يُقدمه خارج مقرلات الهيمنة البطركية إنما هو قول من لا قول له (هواء في شبك)، لأن هكذا قول يخترق بنية (النظام الأبوي) ويُحاول الكشف عن استمرار تأثيره في حياتنا المعاصرة بما يجعلها أسيرة هذه المعرفة التي شكلها النظام الأبوي، وصار بنية مهيمنة في كل تمظهرات ومجالات حياتنا.
يُعد قول هشام شرابي هو قول (متمرد) لا يجد من يُنصت له في مجتمعاتنا، لأنه يهدد نظام "البطاركة" الذين يُجيدون فن تسويق الطاعة والتبعية ويُشككون بكل نزعة نقدية اسقلالية/ فييتهمون صاحبها بأنه متآمر على الدين او المذهب، فتجده يدس رأسه مثل النعامة لاتقاء خطر
الذين "لا يتفكرون".
"الأبوية المستحدثة" اصطلاح يجترحه هشام شرابي مشتق من الأبوية التقليدية وهو نزوع لدى بعض المفكرين العرب لجعل الحداثة بصيغتها الغربية وصية على نزعة التحديث في الفكر العربي، بمعنى نزوع مجتمعنا للحداثة ولكنه في الوقت نفسه يعيش ويُفكر على وفق أنموذج سبق او أنموذج معاش.
في كلا الحالين هو مُقلد مُطيع وتابع لا قدرة له على التفكير خارج ما هو مهيمن وسائد.
كل مجتمع يبقى رهين مقولات عقائدية موروثة إنما هو مجتمع "بطركي" لا يحضر فيه النزوع العقلاني، ولا يكشف عن إماكنية تحرير المرأة وقبولها بوصفها النصف الآخر من المجتمع إنما هو يُسمى مجتمع، لأن كل مجتمع لا يحترم المرأة ولا يسعى لتحريرها من سطوة المقولات الدوغمائية السائدة إنما هو مجتمع رهين الوصاية.
في كتابه "النظام الأبوي" يؤكد هشام شرابي أن "في المجتمع الأبوي المُستحدث يجد المرء نفسه ضائعًا متى انقطع عن عائلته وعشيرته اوجماعته... إلخ" (ص53 النظام الأبوي)، وهو ذاته ما اكده في كتابه النظام البطركي.
في العائلة المستحدثة الولاء والطاعة هو الأصل كما يؤكد شرابي، وهذا من وجهة نظري ليس بجديد، إن لم يكن من قبيل تحصيل الحاصل في مجتمعات اعاتدت العيش في مجتمع يحكمه النظام الأبوي، هو ذاتهما يؤكد قولنا ما يذكره شرابي في كتابه "النظام
الأبوي".