شرحبيل

ثقافة شعبية 2024/05/30
...

كاظم غيلان 



القوانين وحدها تتكفل بتنظيم حياتنا، شعوباً ومؤسسات، هكذا عرفنا منذ جئنا لدنيانا في كل تقلباتها وانقلاباتها.

شرع المختصون بالخدمة العسكرية العراقية قانونا اسمه (قانون اللياقة البدنية)، والذي من شأنه ان يعفيك من هذه الخدمة ان كنت مصابا بعاهة جسدية أو غير جسدية تحددها مواد هذا القانون، عبر لجان طبية متخصصة يشغلها أطباء مشهود لهم بالكفاءة والخبرة وحملة شهادات غير مزورة أو صادرة عن جامعات وهمية كما حصل بفضيحة جامعات لبنان.

إبان الحرب مع إيران استحدثت الدولة لجنة اطلقت عليها اسم- شرحبيل - تيمناً بالصحابي شرحبيل بن حسنة.

أعادت هذه اللجنة فحص جميع من اعفتهم اللجان الطبية وساقت معظمهم للحرب فاتسمت بالقسوة وقتها، وكما يتذكر من عاش الحقبة تلك ان القسوة المفرطة وزعت على الجميع بالتساوي ولم ينجُ منها رئيس هذه اللجنة الدكتور راجي التكريتي المكنى بـ(الحكيم) وقتها، إذ اتهم بالتآمر على القائد والحزب والثورة وعوقب بوحشية، إذ اجتمعت عليه كلاب متوحشة وافترسته فكان وجبة غذاء دسمة لها ولم تشفع له مهمته كرئيس أهم لجنة طبية ولا شرحبيل ولا حتى ابو عبيدة الجراح إذ كان ساعده الأيمن في فتح غور الأردن. 

هذه اللجنة كانت تحدد طبيعة العوق وتضع له درجة تحسم مصيرك، إلا أنها على درجة عالية من المهنية.

في أوساطنا الثقافية تكاثرت أشكال العوق مثلما ارتفعت اعداد المعاقين ومعظم الاصابات تجدها في (حول العقل) على حد تسمية د. قاسم حسين صالح أو(عوق العقل) كما يسميه الشاعر جليل حيدر. 

وفي كلا التسميتين هو (عوق).

ولكن أشكاله تباينت فتجد أحول عقل لايرى ما يعجبه الا شبيهه فيصفه بـ(الكبير، العظيم، المفكر، الباحث، الفاتح، السابح، الناطح) و(معاق) لا يرى الا أبناء(طائفته، حزبه، جيله، منطقته) فهم وحدهم (مبدعون). 

أما (المعاق النقابي) فهذا لربما نسبة عوقه محدودة تنتهي بـ(سقوطه) اثناء التصويت ومن جراء(العرس الانتخابي) حيث - يروح بالرجلين- ولم يعد له ذكر في دراسات - نقاد الخفر - ولا حتى المعقبين والمتداخلين فقد خذله - أخوة يوسف، وعمام المتنبي وخوال الشابندر، وهو مصير محتوم لكل (ملطلط وحجيه مسفط).

في شعر العامية تتصاعد نسبة العوق وتتضاعف معدلات الحول، فتجد من يرى في نفسه - شيخ - الشعر ولن يرى سوى شيوخ يشبهونه بالعوق ذاته، الذي ينشد العشيرة - بافخاذها كافة - وهؤلاء ربما ضمنوا مستقبلهم الذي يوحي لنا بعودة سلطة المشايخ لحكمنا نحن فقراء الله في الأرض، ولربما ستكون هناك - حصانة - للمهاويل - وعليك أن - تلزم لسانك - بوصفه - حصانك - وما عليك إلا أن تصفهم بالشعراء الكبار، من باب التقية وتماشياً مع المثل المصري الشعبي - ابعد عن الشر وغنيلو - ولعله أخطر شر وجدته في حياتي هذا الذي ترفع به القوانين شأن معاق العقل للقمة.