حسب الله يحيى
ما يحدث الان من مظاهر شتى يدلل على أن المظلوم، يكرر نفسه بطرق مختلفة لكنها تصل إلى نتيجة الظلم ذاته. فتفضيل القريب على البعيد.. ظلم، واختيار الجاهل على الكفء.. ظلم، وفرض المبادئ والأفكار والمعتقدات على الاخرين.. ظلم، وتمييز الموقع الوظيفي بالمال اللا محدود..ظلم، فيما هناك بشر دون، دون الدون بلا محدود.. ظلم
الاعتماد على مخبر سري من دون دليل.. ظلم، وحتى السجين بلا حقوق.. ظلم.
الظالم كائن يتميز بالسقم والجور والتعسف والجناية السوداء.
فيما المظلوم نفي وتغييب وإرادة منهوبة وإنسانية مهدورة.
وما بين الظالم والمظلوم؛ مسافات يعرفها الظالم جيدا، مثلما يعرفها المظلوم جيدا كذلك.
وهناك من يلغي هذه المسافات، حتى يستوي: العادل الكافر والمؤمن الظالم! ولا نعني بالكافر والمؤمن على مستوى الدين الحنيف حسب، وانما على مستوى كل القيم والأعراف الإنسانية، والمواقف الصميمية من الحياة والناس.
وهذا لا يعني أن يستحيل العدل مع قيم الفضيلة والإيمان مع إرادة العدل والانصاف.
هنا نريد أن نجد للظالم أسبابه وللمظلوم أسبابه ونتائجه معا.
الظلم..كراهية وانانية ولا يمكن أن نجد ظالما يتصف بصفة المحبة لسواه.. الآخرون جحيمه، ويعمدون للبحث عن سبل للتنكيل به، وأخذ زمام الأمور من بين يديه كما
يعتقد.
والظلوم اما ان تكون مواقفه زائفة الولاء، قابلة بما يحصل، خاضعة له، وأما أن يكون نصيبها.. الضحية التي لا تجد القدرة على نفي الظلم عنها بسبب ضعفها وكتمان رفضها، ومن يحس بالظلم في المألوف؛ يفترض أن يناضل من أجل العدل ورفع الحيف عن المظلومين في حال توليه مقاليد الأمور.. لا أن يظل ينتقم من ظالميه ويبقى يعاني من مظلوميته، ومن ثم يريد ثمنا وتعويضا عمّا لقيه من
ظلم.
هذا.. استثمار ووجه اخر للظلم الذي يكرر نفسه، في حين يفترض بالمظلوم أن يعدل ويستبدل ذاك الظلم؛ بهذا العدل الذي ينادي به ويعمل من اجله.. والا بتنا نكرر الظلم وأساليب الظالم عن طريق اشخاص جدد بتنويعات مختلفة!
وما يحدث الان من مظاهر شتى يدلل على أن المظلوم، يكرر نفسه بطرق مختلفة لكنها تصل إلى نتيجة الظلم ذاته.
فتفضيل القريب على البعيد.. ظلم، واختيار الجاهل على الكفء.. ظلم، وفرض المبادئ والأفكار والمعتقدات على الاخرين.. ظلم، وتمييز الموقع الوظيفي بالمال اللا محدود..ظلم، فيما هناك بشر دون، دون الدون بلا محدود.. ظلم
الاعتماد على مخبر سري من دون دليل.. ظلم، وحتى السجين بلا حقوق.. ظلم.
الظلم بين، والمظلوم بين.. فلماذا نضرب الأمثلة وهي كثيرة وتثقل على انفسنا بما نعرفه ونلمسه ونعيشه؟
اذن.. لماذا يمارس المظلوم دور الظالم، في أول فرصة يراد عن طريقها تحقيق العدل بين الناس؟
تقليد الظالم، والعمل على وفق ما كان يفعله وأكثر؛ هو ادانة للمظلوم الذي كان، واعتراف ضمني بالظالم وهو يمارس ظلمه على الآخرين.
نعم.. العراقيون ظلموا جميعا، من كان منهم في داخل البلاد، ومن كان منهم في الخارج، ومن كان من هذه الطائفة أو القومية أو ذلك الحزب.. الظالم كان (عادلا) في توزيع ظلمه على الجميع.. فلماذا لا نعترف بهذه الحقائق، ونعد الظلم مرتبطا بقوم دون سواهم من العراقيين؟
هذا بعينه ظلم، لا يراد منه الا تحقيق امتياز على الاخرين والنيل منهم وبسط السلطة الظالمة عليهم.. مما يجعل الظلم مستمرا وبصفحات
متعددة! كذلك.. فأن من يؤمن بالعدل ويناضل من اجل تحقيق العدالة وبسطها على وجه الأرض؛ لم يكن يريد جاها ولا مالا ولا موقعا؛ وانما كان يبحث عن قيم يؤمن بها ويذود عنها ويبذل حياته من أجل نصرتها..
اذن.. لماذا يتحدث البعض عن المظلومية في كل مناسبة ومن غير مناسبة، ولماذا يعد البعض انفسهم دعاة عدل وهم لا يعدلون، وهم انفسهم يمتلكون الموازين التي يمكن على وفق امتلاكها تحقيق العدل؟!.
لقد آن لنا أن نصحو على انفسنا ووجداننا وعقولنا وسلوكنا في مواجهة الواقع الذي نعيشه، والا نأخذ لانفسنا الحق كل الحق، ونترك الباطل، كل الباطل لسوانا.. إن لم نكن نحن الباطل ذاته؟
هذه حقائق للمكاشفة وللصراحة وللتعامل بصدق مع واقع طال امده، وبات يدق على أبواب ربع قرن من الظلم وانقاضه وهويته.. فهل نكون نحن الظلام والمظلومين معا؟
نحن الذين اردنا العدل؛ لماذا نشتبك مع صورة أخرى للظلم والظالمين ونقدم صورا وأساليب اخرى للظلام؟.
لقد آن لنا أن نصحو وأن يكون البياض سبيلنا في التعامل مع الحق ومع البشر ومع الواقع ومتغيراته، ولنعلم بأن لا ثبات لباطل ولابقاء لحيف، ولا يمكن للموازين أن تبقى على هذه الصور من الظلم والفوضى والتعسف.
آن لنا أن نتبين الأمور ونتأمل حقيقة الظلم ودوافع المظلوم.