حين يُفسدُ الغنى أخلاق البعض

آراء 2024/06/03
...







 ا.د. عماد مكلف البدران


في أيام الحصار الاقتصادي المهلك، هناك مع بدايات عقد تسعينيات القرن المنصرم، إذ انتشر الجوع والفقر والعوز والمرض والفاقة، حينما كنا ننطلق بحثاً عن لقمة العيش، التي أصبحت مرة فبالكاد تحصل على مبلغ بسيط لشراء ما يسد رمق الاسرة الفقيرة، وهو العنوان العريض لمجموعة قاطني الاحياء الفقيرة، فمنذ الصباح الباكر تتوجه أفواجا من الشباب واعمار اخرى ليست على التحديد، بل أجناس متنوعة من شابات وفتيات ونساء وأطفال إلى العمالة والاسواق وعلاوي المخضر والبساطي ومحلات الفيترية...الخ، من الأعمال التي يغذيها عرق الفقراء، وهم يكدون ليرجعوا بحصيلة واحدة كيلو طيحن وبعض خضار، فقد نسى معظمهم طعم اللحمة بأنواعها أحمرها وأبيضها وكذا الأمر مع الفاكهة وارتدى اغلبهم رث الثياب، بعد أن ابلته سني التعب وعجنته بعرق العمل، وكذلك كان حال الموظفين اصحاب الراتب الذي لم يعد له فعل يذكر اذ لم يستطع الموظف أن يوفر لعائلته من مرتبه ما يسد قوتهم ويمكنهم من ديمومة الحياة لتمتد يد السلطة التي كانت سببا في حالتهم المزرية وتقدم لهم الرحمة برصاصة لطالما كرهوها، وهي ان تكون جنديا في الجيش رغماً عن انفك أو تلتحق بالتشكيلات الدموية البعثية والفدائية، لتكون سيفا مسلطا على رقاب من يسكن معك في منطقتك، وآنذاك حينما تنظر إلى وجوه الناس تجد الصفرة تعتليها وملامح البؤس الممزوج بالجوع والتعب والخوف من ان تكون صيدا ثمينا لتقرير أحد الرفاق بعدما تجبرك الظروف على البوح بكرهك للسلطة أو تجبرك على سب رأس النظام، إذ كانت السلطة تحصي على الناس انفاسهم ما جعل اغلبهم يطأطئ رأسه عندما يمر من امام احد مؤسساتها المرعبة مديريات الأمن أو الفرق الحزبية، وهكذا انتشرت ملامح بخطوط حزينة على وجوه صفراء كالحة ذليلة من التعب والخوف والقلق، في ذلك الزمن البائس كانت مجموعة من كبار السن من آباء وأجداد لاهثين وراء (العيشة)، يجلسون عند قارعة الطريق تماماً في وسطه وهمهم بعد أن كوى الجوع اجسامهم النحيفة العليلة هو مراقبة الناس والثرثرة والحسد إلى حد تسمع ما يبوحون به علانية وهم يندبون حظهم ويتذكرون ايام الشبع، وينتقدون بؤس الناس ويلعنونهم سباً وشتماً، واغلب المارة كانوا يعرفون انهم كانوا يعانون من الجوع وألم العوز وانتظار الموت ليرحمهم، إلا أنهم كانوا يمتلكون فلسفة عجيبة جاءت من عمق الريف، حيث كانوا يسكنون، وهي ان كل ما اصابنا هو مما عملته ايدينا من حروب وفساد اخلاقي وكفر بنعمة الله وكانوا يرددون عبارة اشتركوا بها وهي (اذا شبعو زاگطو) في تشبيه للناس على أنهم أجلكم الله مجموعة من الخيول أو الحمير، حينما تُعلف جيداً سترفس في كل اتجاه حتى من يقدم لها العلف، فقد تعافت وقوت إلى درجة العبث، وهم بذلك يرصدون وضع الناس وتلك الوجوه الصفراء، ويؤكدون أن هذا الحال هو الأمثل كونهم كفروا بأنعم الله، في كلام متحامل ووصف كله تجاوزات، وحينما يسألهم بعض المارة يقولون: نحن نعرفكم جيداً اذا ما شبعتم ستفسدون وتتنازعون بينكم لتنتشر مشكلات العائلات ومشكلات العشائر وتجاوزات على الدولة واموالها العامة وتمارسون الكره والحقد والتجاوز على القوانين وتشجعون الفوضى بدءاً من فوضى الشوارع والمرور فهذا هو حالكم أو حال بعضكم لا يحترم الا القوة، فيا ترى هل في كلام اصحاب الخبرة شيء من الصحة ؟ ولا اعرف هل في كلامهم حنين لجلاد أم لنسق اعتادته انفسهم أم هو تشخيص لما لم تكن تراه الاجيال وهي تحلم  بالحرية.