في أميركا.. مطامر النفايات مرتعٌ لغازات الدفيئة
سانجانا جاجبهي
ترجمة: فجر محمد
عندما تتحلل النفايات في المطامر، فأنها تطلق غازا دفيئا قويا جدا يدعى الميثان. وبحسب القراءات والبيانات البيئية لهذا الغاز فيبدو أن له القدرة على المساهمة في ظاهرة الاحتباس الحراري خلال العشرين عاما الأولى التي تلي انبعاثه، بنسبة تفوق ثاني اوكسيد الكاربون بنحو 80 مرة تقريبا، ما يعني أنه يقوم بحبس كمية كبيرة من الحرارة داخل الغلاف الجوي للأرض منعكسة سلبا على حياتنا ومستقبل أجيالنا.
وتمثل مطامر النفايات وحدها جزءا كبيرا من انبعاثات غاز الميثان التي يسببها الإنسان في الولايات المتحدة. ويمكن مقارنة تأثير تلك المطامر مجتمعة مع انبعاثات غازات الدفيئة السنوية بأكثر من 23 مليون سيارة تعمل بالغاز وتطلق انبعاثاتها إلى الغلاف الجوي. وتكمن المشكلة في أن الحصول على بيانات دقيقة لغاز الميثان في مكبات النفايات تمثل تحديا حقيقيا لسبل مواجهة هذه السموم.
تسرب الغاز
قادت منظمة «كاربون مابير» اكبر حملة مسح مباشرة لمطامر النفايات في الولايات المتحدة الاميركية. وجرى التعاون مع كبار العلماء في وكالة ناسا للعلوم الفضائية، وجامعة اريزونا، فضلا عن وكالة حماية البيئة (ايبا). وقد اندفع فريق العمل، مزودا بطائرات متطورة، لجمع البيانات خلال وقت محدد من مطامر النفايات.
وكشفت الدراسة عن أن انبعاثات المصدر الثابت، التي هي عبارة عن اطلاقات مركّزة لغاز الميثان من مناطق محددة داخل المطامر، كانت موجودة ضمن أكثر من نصف المناطق التي شملتها الدراسة. ويعد معدل تسرب غاز الميثان المركز ضمن تلك المطامر أعلى بكثير من نظيره المنبعث كناتج طبيعي عن صناعة النفط والغاز. وعلى العكس من التسرب الذي يحدث خلال عمليات استخراج النفط والغاز، والذي غالبا ما يتم معالجة آثاره والسيطرة عليه، يمكن أن يكون التسرب الناتج عن خزين مطامر النفايات مستمرا وصعب المعالجة جدا. فقد اظهرت الدراسة أن 60 بالمئة من مطامر النفايات التي تعاني من تسربات مختلفة كانت تطرح غاز الميثان في الهواء ليس لعدة اشهر فقط بل ولسنوات ايضا. وتمثل هذه التسربات المستمرة نصيب الاسد من انبعاثات المطامر.
صورة كاملة
اكتشف الفريق وجود عدم تطابق كبير بين البيانات عن الانبعاثات التي قاموا بقياسها، وبين تلك البيانات التي تقدمها المطامر رسميا للحكومة الأميركية. ومثلت العديد من الحالات صورة محبطة عن مستويات التلوث الفعلية وبمستويات أعلى بكثير مما تم الإبلاغ عنه، مما يشير إلى أن أساليب إعداد التقارير البيئية الرسمية عن تلك المطامر تفتقر لذكر المسبب الرئيسي للانبعاثات المتمثلة بغاز الميثان.
ويرى الدكتور دان كوزورث العالم ومؤلف هذه الدراسة لصالح منظمة كاربون مايبر: «أن معالجة مصادر الميثان العالية وتخفيف انبعاثات مطامر النفايات المستمرة، من شأنها أن توفر منافع كبيرة للبيئة والمناخ بصورة عامة».
تكمن آلية معالجة الفوضى التي يسببها غاز الميثان، بالعثور على اكتشافات جديدة. لأن المسوحات التقليدية التي يجريها العمال على الارض بإستخدام اجهزة استشعار الغاز لم تعد كافية. وبالتالي يمكن للتكنولوجيا المتقدمة مثل الاقمار الصناعية والطائرات الاعتيادية وكذلك الطائرات المسيرة ان تساهم باعطاء صورة كاملة عن مطامر النفايات التي تسبب تسرب غاز الميثان وفضلا عن امكانية تحديد أماكن وجوده بالضبط. وستكون تلك البيانات متاحة مجانا لمشغلي تلك المطامر وصناع القرارات ذات الشأن بالبيئة والقرارات السياسية الداعمة للصحة العامة بالاضافة إلى الجمهور العام.
تأثيرات متعددة
ويبدو أن لانبعاثات غاز الميثان تأثير عميق على كوكب الارض، كما تم التوضيح سابقا، ويقع تغير المناخ في مقدمة تلك التأثيرات؛ لما لهذا التغير من انعكاس كبير على الاحتباس الحراري.
يعد الميثان اكثر فاعلية بنحو 28 مرة من ثاني اوكسيد الكاربون في حبس الحرارة داخل الغلاف الجوي وتمتد فعاليته إلى مدى 100 عام، مما يجعله عاملا خطرا في الاحتباس الحراري.
إن فاعلية غاز الميثان العالية؛ بوصفه من غازات الدفيئة، تعني أن حتى كمياته الصغيرة يمكن أن تكون ذات تاثير كبير على درجة حرارة الارض. وينطلق الغاز من خلال مصادر متعددة للنشاطات على سطح الأرض؛ مثل مطامر النفايات والزراعة (خاصة من عمليات الهضم لدى الماشية وما تخلفه من فضلات)، فضلا عن النشاط البشري المتمثل بانتاج ونقل الفحم والنفط والمواد الطبيعية)، وهذا كله يسرع من عملية تغير المناخ بشكل كبير. ويؤدي ذلك إلى ظروف مناخية شديدة جدا، مثل موجات الحر والجفاف والعواصف الشديدة، ما يؤثر على النظم البيئية وصحة الانسان والأمن الغذائي. يساهم الميثان ايضا في تكوين ما يعرف بالاوزون على سطح مستوى الارض الذي يظهر على شكل (الضباب الدخاني)، وهو هواء ضار وملوث، في حين أن الاوزون الموجود ضمن طبقة الستراتوسفير يعمل على حماية الحياة على سطح الارض من نفاذ أشعة الشمس فوق البنفسجية إلى الغلاف الغازي للأرض. أما على مستوى الارض، فيمكن أن يسبب الاوزون مشاكل للجهاز التنفسي، وتتفاقم أمراض الرئة بسببه ويؤثر على وظائفها، فضلا عن مخاطر مرض الربو. ولا يؤثر الضباب الدخاني على صحة الانسان وحسب، بل يمكن أن يقلل أيضا من الانتاج الزراعي عن طريق التسبب بتلف المحاصيل.
عمر اقصر وتاثير اكبر
على الرغم من أن عمر الميثان ضمن الغلاف الجوي يكون أقصر من نظيره ثاني اوكسيد الكاربون (ما يقرب من 12 عاما بالمقارنة مع عمر ثاني اوكسيد الكاربون الذي يصل إلى قرون)، غير إن تأثيره المباشر على تغير المناخ يبدو أقوى بكثير من الكاربون. وهذا يعني أن الإجراءات المتخذة للحد من انبعاثات هذا الغاز يمكن أن تؤدي إلى فوائد مناخية سريعة نسبيا، ولهذا فإن الحد منه يعد جزءا حاسما من استراتيجيات التقليل من ظاهرة الاحتباس الحراري على المدى القصير.
تعد انبعاثات غاز الميثان جزءا من العديد من حلقات ردود الفعل الطردية التي يمكن أن تؤدي إلى تفاقم تغير المناخ. فعلى سبيل المثال، يمكن أن يؤدي ذوبان الطبقة الجليدية بسبب ارتفاع درجات الحرارة العالمية إلى إطلاق كميات هائلة من غاز الميثان المحصورة تحت ركام الجليد الجليد، مما يؤدي إلى المزيد من الاحتباس الحراري و ذوبان الطبقة الجليدية.
التنوع البايولوجي
يشكل تغير المناخ الناجم عن انبعاثات غاز الميثان تهديدا كبيرا للتنوع البايولوجي. يؤدي تغير درجات الحرارة وأنماط الطقس إلى تدمير المواطن الطبيعية للكائنات الحية، مؤديا إلى اجبار الأنواع المختلفة منها على الهجرة أو التكيف مع الجفاف أو مواجهة خطر الانقراض.
ويمكن أن يؤدي فقدان التنوع البيولوجي إلى زعزعة استقرار النظم البيئية، مؤثرا في النهاية على خدمات النظام البيئي مثل التلقيح وتنقية المياه فضلا عن مكافحة الأمراض والسيطرة عليها خصوصا تلك التي تعد ضرورية لحياة الإنسان. ولمواجهة التحدي الهائل المتمثل في الحد من انبعاثات مناطق طمر النفايات، هناك امور عدة منها الإجراءات الفردية، التي تتضاعف من خلال تعاون أفراد المجتمع، ومن شأنها أن تحقق موجة من التغيير.
يكمن مفتاح الحل لعلاج هذه القضية في الخيارات التي نتخذها كل يوم، واستعدادنا المستمر في البحث عن أنظمة بيئية افضل. ولهذا يمكن أن يكون كل فرد منا جزء من الحل عن طريق تبني أفكار أفضل لمعالجة النفايات والتقليل منها واعادة تدويرها واعتبار ذلك اسلوب حياة. لأن هذه الأفكار الجديدة ليست مجرد عبارات جذابة وإنما يمكن اعتبارها أدوات مهمة لحل مشكلة التلوث البيئي. ومن تلك الأفكار تقليل ما نشتريه وبعناية، وكذلك اعادة استخدام الاشياء وبطريقة ابداعية، واعادة التدوير باهتمام وعناية، كما نقوم بتقليل كمية النفايات المتجهة إلى المكبات. اما بالنسبة للسماد فهو عامل مهم في التغيير، إذ تعد بقايا الطعام ومخلفات حظائر الحيوانات مسؤولة بشكل رئيسي عن مطامر النفايات، وفي المقابل فإنها يمكن أن تصبح تربة غنية بدلاً نن بقائها على وضع التلوث. ولذلك فإن التسميد المنزلي أو استخدام برنامج محلي يمكن أن يبقي على هذه المواد خارج مدافن النفايات فيما تتم الاستفادة منها بشكل جيد.
ومن المؤكد أن الاجراءات الفردية لها تأثير قوي جدا، غير إننا ولغرض تغيير طريقة تعاملنا مع النفايات بشكل حقيقي، نحتاج إلى تغييرات أكبر. ومنها دعم السياسات التي تتطلب مراقبة أفضل لمطامر النفايات وخفض نسبة غاز الميثان.
عن موقع ايرث دوت كوم