د. عدنان هادي جعاز
لاشك أنَّ الاستثمار من أهمِّ العوامل التي من الممكن أن تُسهم بشكل فاعل في إصلاح الخلل في هيكل الاقتصاد العراقي وتنوّع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط. إنَّ الوصول لهذا الهدف يعدّ من أهمِّ الأهداف الستراتيجية التي تسهم في استقرار العراق وتطوره ومواجهة الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ولذا يجب أن يعمل القانون الذي يوضع لجذب الاستثمار على توجيه الفوائض المالية للمجتمع العراقي وجعلها تسير في الاتجاه الذي يستخدم رؤوس الأموال بشكل كفء، ويحقق للعراق أقصى
منفعة ممكنة.
إنَّ استثمارات القطاع الخاص سواء المحلي أو الأجنبي من أهم العوامل التي يعوّل عليها لحلِّ مشكلات الاقتصاد العراقي، فالقطاع الخاص هو جناح الاقتصاد الثاني، وأثبت الواقع والتاريخ أنَّ ابتعاده عن المشهد الاقتصادي كان من أكبر الأخطاء التاريخية في العراق.
لكن في قراءة سريعة لقانون الاستثمار الجديد نصاب بخيبة أمل بحسب رؤيتنا وطموحاتنا الاقتصادية وازدادت المخاوف على مستقبل اقتصاد هذا البلد، وفي هذه المقالة نحاول أن نشرح أسباب هذه الرؤية غير المتفائلة.
فقانون الاستثمار المقترح وبحسب قراءتنا لا يزيد على كونه قانوناً للاستثمار في المدن السكنية والتي لا تعد كونها قناة لتحويل الفوائض المالية للمجتمع العراقي بيد مجموعة قليلة غير منتجة وبعضها أجنبيـة. إنَّ المستثمر في بناء المدن السكنية يستطيع استيراد كل ما يحتاج إليه من مواد لازمة للمشروع بدون أي عائد للدولة أو خزينة الدولة، منح الأرض بالمجان ونحن نعلم جميعا أنَّ الأراضي تداخلت ولا يوجد فرق بين ما هو داخل التصميم الأساس وخارجه، الحصول على تسهيلات مالية وقروض ميسرة بعد اكتمال 25 % من المشروع، له الحق في إخراج رأس المال والأرباح كاملة، له الحق في توظيف أجانب، وطبعاً سوف تستغل هذه التسهيلات في استيراد أضعاف ما يحتاج إليه المستثمر من مواد وسلع وهي أكبر مصدر لزيادة الأرباح له وتصدير النقد الأجنبي بأضعاف ما حصله من العائد فضلاً عن التحويلات المالية للعمال الأجانب.
أما ما جاء في المميزات فإنَّ من حقه استخدام ما زاد من الأرض بعد اكتمال المشروع السكني بدون تقييد أو حتى تحديد للأرض، فهذه فيها كلام كثير فلو فرضنا أنه قرر بناء منشآت لا تليق بخصوصية المجتمع العراقي أو أي من الاستثمارات لا تليق أن تكون في المناطق السكنية فهل يسمح لنا القانون بمنعه. والسؤال الثاني من حقه أن يستثمر الفائض مهما كان حجمه، خمسة أو عشرة أو حتى عشرين دونماً وربما أكثر!
كل هذا من أجل إنتاج وحدات سكنية حتى الآن هي خارج قدرة وطاقة الطبقة المتوسطة بل حتى فوق ذوي الدخول فوق المتوسطة، ونحن حتى الآن لا نرى منها إلا زيادة رفاهية المرفهين من خلال عزلهم وتوطينهم في مدن خاصة وفي المقابل امتصاص الفوائض المالية للمجتمع وتصديرها للخارج. فهل يستحق هذا الهدف كل هذه التكاليف الاقتصادية الباهظة؟.
نعم بإمكانها أن تنشط الاقتصاد وزيادة النمو لو كان العراق ينتج ما يحتاجه القطاع العقاري، وبالتالي نقول إنها سياسة مالية توسعية تهدف لزيادة معدلات النمو والدخل من خلال زيادة معدلات الإنتاج وبالتالي زيادة معدلات التوظيف والدخل بما يسهم في حل مشكلة البطالة التي تؤرق الطبقة السياسية ودائما ما تهددها بالفشل.
فاذا كنا نعطي الأرض بالمجان مع إعفاءات من الضرائب والرسوم فضلاً عن قرض بدون فائدة للمستثمر ونسمح بتوظيف الأجنبي ونسمح بتصدير النقد الأجنبي الذي هو فوائض المواطنين المالية والقروض التي جاءت من البنك المركزي والمصارف العراقية، كل هذه التضحيات من أجل زيادة رفاهية المرفهين لا أكثر ولا أقل وليس هناك حل حقيقي لمشكلة سكن الفقراء والطبقة المتوسطة، وحتى لو كان المراد تلبية حاجة هذه الشرائح فهناك طرق أقصر وأقل تكلفة بكثير، فالتكلفة كبيرة وكبيرة جداً على السياسة الاقتصادية بالمجمل.
ولو فرضنا جدلاً أنَّ صاحب الرؤية يهدف إلى زيادة المعروض من الوحدات السكنية حتى تتجاوز الطلب فيبدأ الانخفاض التدريجي بالأسعار، وأنا أعتقد مع وجود الفوائض المالية الجنونية والتي منها غسيل الأموال وشرعنة أموال الفساد وبعض الشرائح التي لا قيود عليها وهي كثيرة من دون تفصيل وهو ما أسميه الأثر السلبي المضاعف لتلك الأموال فبالوقت أنها تقتطع من المال العام واستغلال المواطنين فهي تعمل على زيادة الأسعار بشكل لا يمكن مجاراته في القطاع العقاري والعقار في بغداد والبصرة خير مثال، ولذا فإنَّ هذا الهدف صعب تحقيقه ويحتاج إلى أمد زمني بعيد أو أن تصل هذه المدن إلى مناطق نائية بعيدة جدا.
يجب التأني بإقرار هذا القانون، وأن ندفع الفوائض المالية بكل أنواعها باتجاه آخر أكثر كفاءة فهي مورد مالي مهم ومفتاح لحل العديد من مشاكل العراق الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ندفعها باتجاه الصناعة وخصوصا بالسلع التي تلبي حاجة القطاع العقاري والزراعة الحديثة التي تلبي حاجة السوق وهو أمر يمكن تحقيقه بسهولة مع فرص الربح الكبيرة جداً من حركة القطاع العقاري الكبيرة جداً بسبب دعم السياستين المالية والنقدية متمثلتين بمبادرات البنك المركزي وعندها يمكن القول إنَّ العراق ينتهج سياسة مالية ونقدية واضحة المعالم والنتائج على الحاضر والمستقبل وإنَّ هذه الأسباب لقانون الاستثمار منطقية نوعا ما.
خبير اقتصادي واكاديمي