في قبو العار

العراق 2024/06/06
...

أحمد عبد الحسين

أقرَّ مجلس النوّاب الأميركي، أمس الأربعاء، قانوناً يفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية في حال قامت بمحاكمة «أو حتى بالتحقيق مع» أشخاص محميين من قبل واشنطن.
هذه سابقة تبيّن حجم ذهول أميركا من التغييرات التي تحدث من حولها، فهي المرة الأولى التي تقوم بها المحكمة الدولية بتجريم حليف لأميركا، وليس أي حليف، إنه نتنياهو، ابنها بالتبني وبالرضاعة.
الأمر مدهش بالفعل يصدق عليه تعبير الكاتب الفرنسي البارز باسكال بونيفاس فقد وصف تجريم المحكمة لنتنياهو بالصاعقة وأنه «تجاوزٌ محمود لكل الخطوط الحمر التي جعلت الغرب وحلفاءه بمنأى عن العدالة» عادّاً ذلك اليوم تاريخياً وصفحة جديدة تفتح في تاريخ القانون الدولي والعدالة العالمية.
نعرف أنَّ قرار الكونغرس الأميركي ذا الجوهر المافيوي، كان مسبوقاً بحملة شعواء شنتها إسرائيل بغية ثني المحكمة عن قرار تجريم بطل الإبادة وعصابته، وتوّجت هذه الحملات بتهديد سافر ومباشر للمدعية العامة في المحكمة، السيدة فاتو بنسودا. كانت الرسائل التي وصلت إليها من الموساد تتضمن تهديداً لحياتها وحياة عائلتها، الأمر الذي أدخل رئيس الموساد السابق «تامير باردو» في حالة إنكار مأساوية حين قال لصحيفة هارتس: «لا أريد أن أصدق بأنّ هذا الجهاز الذي ترأسته طويلاً وعملت فيه قرابة 35 سنة يقوم بتهديد الناس بهذه الطريقة «الكوزانوسترية»، إشارة إلى اسم أشهر عصابات المافيا في العالم.
عدالة أميركا مصاغة على طريقة رعاة البقر، هي عدالة المنتصر الممسك بمسدسه مبتسماً لرؤية الظلم يفتك بالآخرين. عدالة أميركا هي الاسم الآخر للطغيان. عرف الناس ذلك منذ زمن بعيد، إلا أنَّ تغييرات جذرية تحدث في العالم، بل في أميركا نفسها، لن تجعل هذه النسخة من العدالة مقبولة بعد الآن.
هناك جيل جديد من الشبّان الأميركان يملؤون جامعاتهم تظاهرات واحتجاجات واعتصامات، بموازاة تغيّر عميق في التعاطي الإعلامي العالمي مع أنباء الإبادة الجماعية في غزة ورفح، وهو تغيّر بادٍ للعيان وصل إلى حدّ أنَّ صحيفة «غارديان» نعتت إسرائيل أمس بالدولة المارقة، وهو كما نعرف وصف كان حكراً على دول العالم الثالث التي تغامر بإغضاب الكاوبوي.
إسرائيل في عزلة، في قبو معزول بعد أن كشف العالم مقدار وحشيتها وعنصريتها، لكنّ القرار الأميركي الأخير يثبت أنَّ أميركا مصرّة على أن تظلّ مع إسرائيل تواسيها طوال مكوثها في قبو العار.