ستافرولا بابست
ترجمة: أنيس الصفار
في خضم حملة إسرائيل المدمرة على قطاع غزة، التي تجاوزت قتل 36 ألف إنسان حتى الآن، أقر الكونغرس الأميركي مؤخراً حزمة مساعدات عسكرية لإسرائيل بقيمة 15 مليار دولار.
علاوة على توفير التمويل المطلوب لتطوير إسرائيل مدفعيتها وذخائرها وتجديد نشاط أنظمتها الدفاعية تضمنت الحزمة أيضاً مبلغ 1,2 مليار دولار مخصصة لسلاح الليزر الإسرائيلي المسمى {حزمة الشعاع الحديدي} الذي يبدو وكأنه مستمد من قصص الخيال العلمي، وهو نظام للدفاع الجوي يتوقع له العمل بالطاقة الموجهة.
يبدو أن المتوقع من أنظمة “حزمة الشعاع الحديدي” هو إحداث تطوير ثوري لقدرات إسرائيل الدفاعية بمجرد دخولها ميدان الخدمة العملياتية، ومواجهة أزمة غزّة الحالية وتوترات الشرق الأوسط التي بلغت نقطة الغليان، وكذلك تطبيع استخدام الليزر في الحروب مع تصاعد الجهود للحصول على اسلحة الطاقة الموجهة. كما إن الولايات المتحدة مهتمة هي الأخرى بالحصول على “حزمة الشعاع الحديدي” والتقنيات الموازية لمآربها الخاصة، وقد يكون ذلك لتسهيل نشر أسلحة الطاقة الموجهة مستقبلاً.
حزمة الشعاع الحديدي
“حزمة الشعاع الحديدي” نظام يعمل بالطاقة الموجهة، مهمته تحييد او إسقاط المقذوفات المقبلة من الجانب الآخر باستخدام شعاع الليزر الليفي، وهو الخليفة المرتقب لنظام الدفاع الصاروخي الإسرائيلي؛ “القبة الحديدية” الذي يطلق صواريخ لاعتراض واسقاط التهديدات المقبلة باتجاه إسرائيل وداخل حدودها.
تزعم إسرائيل أن نظام “القبة الحديدية” الحالي قادر على إبادة 90 بالمئة من التهديدات، لكن نقطة ضعفه هي ارتفاع تكاليفه، حيث تبلغ كلفة الصاروخ الاعتراضي الواحد نحو 50 ألف دولار. مقارنة بذلك يستطيع نظام “حزمة الشعاع الحديدي” تحقيق نتيجة مماثلة من دون استخدام مدفعية باهظة التكاليف لأنه يعمل بالطاقة الكهربائية وحدها لإنتاج حزمة من شعاع الليزر نجحت اختباراتها في تدمير الدبابات والصواريخ والطائرات المسيرة وأهداف أخرى. خلال العام 2022 قال رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق “نفتالي بينيت” أن “حزمة الشعاع الحديدي” ستغير قواعد اللعبة لأن إسرائيل؛ بواسطته؛ لن تكون قادرة فقط على ضرب العدو عسكرياً بل اضعافه اقتصادياً ايضاً، مبيناً أن أعداء إسرائيل سينفقون عشرات الآلاف من الدولارات لبناء صاروخ واحد تسقطه إسرائيل بكلفة دولارين فقط؛ هي تكاليف الكهرباء الذي تستهلكه “حزمة الشعاع الحديدي”، على حد تعبيره. لكن سوء الأحوال الجوية يمكن أن يتسبب بإضعاف فعالية هذا النظام، ما يعني استخدامه رديفا لنظام القبة الحديدية لتأمين دفاع جوي شامل.
أسلحة الطاقة الموجهة
نظام “حزمة الشعاع الحديدي” الإسرائيلي هو ترجمة معبّرة عن اهتمام استمر عقوداً بأسلحة الطاقة الموجهة: وهي أنظمة تحوّل الطاقة الكيميائية او الكهربائية إلى طاقة اشعاعية بالامكان تسليطها بشكل مركز لإعطاب او تدمير الاهداف المعادية. ومن خلال عملها بسرعات عالية تصمم اسلحة الطاقة الموجهة (مثل اسلحة الليزر وموجات المايكروويف عالية الطاقة واسلحة حُزَم الجسيمات) بحيث تتمكن من ضرب الاهداف بصمت وسرعة ودقة من دون حاجة لاستخدام المدفعية. تنبهت دول عديدة إلى الإمكانيات المحتملة لأسلحة الطاقة الموجهة، لذا توجهت نحو تطويرها، مثلما فعلت بريطانيا مؤخراً حين قامت باختبار سلاحها الليزري “نار التنين”، الذي يقال أنه قادر على إصابة عملة نقدية من على مسافة كيلومتر. وهناك ايضاً نظام الليزر الروسي المسمى “بيرسفيت” المصمم لشل المركبات الفضائية المحلّقة على ارتفاعات شاهقة، مثل الاقمار الاصطناعية، او اصابتها “بالعمى”، ونظام “زاديرا” الليزري القادر على اسقاط الطائرات المسيّرة والذي خضع لمزيد من الاختبارات في ميادين حرب أوكرانيا. على غرار ذلك تنفق الولايات المتحدة نحو مليار دولار سنوياً لتطوير أسلحة الليزر والطاقة الموجهة الموازية الخاصة بها. الأدعى للاهتمام هنا هو ما يمارسه “مكتب القدرات السريعة والتقنيات الحساسة” التابع للجيش الأميركي من إشراف على برنامج لإنتاج نموذج أولي من سلاح الليزر عالي الطاقة والقادر على تأمين الحماية غير المباشرة من النيران، وقد حصلت شركة “لوكهيد مارتن” على عقد المشروع في تشرين الأول 2023. وبمجرد نزول هذا النظام إلى الخدمة الفعلية سيكون شعاعه الليزري مصمماً لمواجهة أو تحييد الصواريخ وقنابل المدفعية وقذائف الهاون وما إلى ذلك من المقذوفات المعادية جنباً إلى جنب مع عناصر الدفاع العسكرية الأخرى.
في نهاية المطاف، تعد أسلحة الطاقة الموجهة الحل الدقيق واطئ الكلفة للجيوش التي تحاول التصدي للطائرات المسيرة وغيرها من التهديدات الطائرة، لكن قدراتها التدميرية ستكون أمراً بيناً لا يخفى، إذا ما نجحت “حزمة الشعاع الحديدي” الليزرية فعلاً بتحييد وتدمير العديد من المقذوفات بنيران الليزر البسيط، كما أنها ستخلق مستقبلا تحدق به الأخطار أكثر فأكثر.
مساعد لإسرائيل بتدمير غزّة
التشغيل المنتظر لحزمة الشعاع الحديدي، التي تفيد التقارير بأن نشرها قد يصار التعجيل به من قبل الشركة المصنعة “رافائيل لأنظمة الدفاع المتقدم”، يضيف مخاطر متصاعدة ضمن سياق التدمير الإسرائيلي المستمر لقطاع غزّة.
فرغم أن “حزمة الشعاع الحديدي” قد ابتكرت لأغراض دفاعية، يمكن تصوّر لجوء إسرائيل إلى إعادة تحديد الغاية من اسلحتها الليزرية وتحويلها إلى هجومية. بل إنها في الواقع سبق أن استخدمت انظمة سلاح تجريبية اخرى مثيرة للجدل في غزّة، مثل نظامي “غوسبل” و”لافندر” الجديدين اللذين يعملان بالذكاء الاصطناعي لأغراض الاستهداف العسكري. تدرس الولايات المتحدة حاليا فكرة اقتناء “حزمة الشعاع الحديدي” لنفسها، الأمر الذي يوحي بأن غايتها من المساعدات العسكرية المقدّمة لإسرائيل لا تقتصر على مساعدة حليفتها، بل تمتد ايضاً إلى توسيع القدرات العسكرية الأميركية والارتقاء بها، لأن هذا هو ما حدث بالضبط عندما اشترت الولايات المتحدة بطاريات القبة الحديدية من إسرائيل ثم أعادت تأجير منظومتين من المنظومات التي اشترتها لإسرائيل بعقد إيجار طويل الأجل بعد احداث 7 تشرين الأول.
المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل ستمكن الأخيرة من تصعيد حملتها ضد الشعب الفلسطيني مع اذكاء احتمالات حدوث صراع أوسع في المنطقة. كما تساعد هذه المساعدات المالية، عند توجيهها إلى مشاريع مثل “حزمة الشعاع الحديدي”، على إدخال أنظمة تسلح مدمرة ذات تبعات خطيرة وتطبيع استخدامها ضمن السياقات العسكرية الاعتيادية دون طرحها للمناقشة العلنية.
عن موقع {رسبونسبل ستيتكرافت}