أول منتجات صناعة اللحوم المزروعة في سنغافورة

علوم وتكنلوجيا 2024/06/09
...

 مات رينولدز

 ترجمة: شيماء ميران


منذ منتصف أيار الماضي، باتت اللحوم المزروعة تُباع على الرفوف، فلو كنت تعيش بالقرب من «مذبحة هوبر» في سنغافورة، ستكون من أوائل من يشترون هذه اللحوم مباشرة من الرفوف هناك.

للمرة الأولى، تُباع اللحوم المزروعة غير المذبوحة، التي تحتوي على خلايا حيوانيَّة حقيقيَّة تمت زراعتها في مفاعلات حيويَّة، بالتجزئة في أي مكانٍ بالعالم. بعد ان كان هذا النوع من اللحوم متوفراً في السوق بنسبة صغيرة وفي عددٍ قليلٍ من المطاعم الراقية في اميركا وسنغافورة. وسيكون عشاق هذه اللحوم محظوظين بحصولهم عليها وتقديمها في جلساتهم.

اللحوم المتوفرة اليوم في متجر واحد في سنغافورة. لكن هناك مشكلة، وهي ان الدجاج المعروض في “مذبحة هوبر” يحتوي على ثلاثة بالمئة فقط من الخلايا الحيوانيَّة والبقيَّة مصنوعٌ من البروتين النباتي، اي ذات المكونات للحوم الموجودة في المتاجر الكبرى في جميع انحاء العالم.


منكهات تجعلها لذيذة

ربما يكون هذا أشبه بخدعة تجاريَّة، فشركات اللحوم المزروعة وعدتنا أنْ تكون اللحوم حقيقيَّة؟ واليوم نحصل على منتجات نباتيَّة مع رش الخلايا الحيوانيَّة. وهذا انتقادٌ غير عادلٍ تماماً، إذ كان من المحتمل دائماً أنْ تكون المنتجات الأولى التي تصل الى الأسواق مليئة بالبروتين النباتي، لأنَّ تكلفة تخمير الخلايا الحيوانيَّة باهظ جداً، لذا فإنَّ أسرع طريقة للتسويق حتى يقترب من سعر معقول هو تكوين جزءٍ كبيرٍ من النباتات.

لا يعني ذلك طعماً مخففاً، فالفطائر والنقانق وكرات اللحم التي يُمزج فيها الخلايا الحيوانيَّة مع البروتين تُضاف إليها كميَّة لا بأس بها من البهارات والمنكهات ما يجعلها لذيذة. وجميع هذه اللحوم تحتوي على نسبة أعلى من الخلايا الحيوانيَّة مقارنة بالدجاج المُباع في سنغافورة والذي تُصنّعه شركة اللحوم المزروعة في كاليفورنيا “غود مييت” التابعة لشركة “اييت جاست”.

من الصعب معرفة ما إذا كان دجاج شركة “غود مييت” عند اضافة 3 بالمئة من الخلايا الحيوانيَّة سيكون أفضل من البديل النباتي. توضح الشركة أنَّ التذوق الحسي قد أثمر ردود فعل استثنائيَّة بشأن المذاق والملمس والمظهر، الذي لا يخبرنا كيفيَّة مقارنة المنتج بالدجاج الحقيقي أو النباتي. لكن الشركة التي تبيعها واثقة من إعجاب الناس.

لا يعدُّ نجاح او فشل دجاج (غود مييت) مؤشراً كبيراً على مستقبل صناعة اللحوم المزروعة. ومع تراجع رغبة المتسوقين لشراء اللحوم النباتيَّة، وإنْ لم يهتم السنغافوريون بمنتوج شركة (غود مييت) سيُعدُّ ذلك رفضاً للمنتجات التي تعتمد على النباتات. وستقول الشركات الناشئة التي تعمل على زيادة نسبة الخلايا إنَّ هذا دليلٌ على أنَّ الفوائد الحقيقيَّة للزراعة لا تظهر إلا حين نتحدث عن منتجات تحتوي على ستين او سبعين او ثمانين بالمئة من الخلايا الحيوانيَّة.


أسعار باهظة

ظاهرياً، قد ينفد الدجاج من السوق. ورغم انه يحتوي على ثلاثة بالمئة فقط من الخلايا الحيوانيَّة، فمن المحتمل أنْ يكون الإنتاج محدوداً جداً. إنَّ شركة (اييت جاست) المالكة لـ(غود مييت)، تعاني من صعوبات ماليَّة خطيرة أحياناً، وتتعرض لضغوطٍ شديدة لخفض التكاليف وطرح نفسها على انها شركة مربحة. يمكن ان يبدو القليل من رغبة المتسوقين كانه نجاح كبير، حتى لو كان الواقع مغايراً.

أما سعر البيع فسيُباع دجاج (غود مييت) بـ 7.20 دولار سنغافوري (اي 5.35 دولار) لكل 120 غم من الدجاج المجمد، وهو سعرٌ مرتفعٌ جداً مقارنة بالقطع المماثلة التي تباع في السوبر ماركت في سنغافورة. نحن ندرك أنَّ ارتفاع الأسعار هو أحد الأمور الرئيسة التي تمنع الناس من شراء اللحوم النباتيَّة، لذلك إذا كان المتسوقون متخوفين بشأن هذا النوع من الدجاج، فقد يعزوها البعض الى السعر وليس المنتج.

هذا ليس مهماً، ربما الاحتمال الأكبر ألا يكون المتسوقون السنغافوريون هم الجمهور الحقيقي للدجاج، بل هم لاعبون يقدمون عرضاً لأشخاصٍ مثل المستثمرين.

وبعد أول موجة إقبال على الشراء، واجهت الشركة صعوبة في جمع الأموال في الفترة الأخيرة، إذ جمعت 226 مليون دولار العام الماضي بعد أنْ كان 922 مليون دولار عام 2022 وهو انخفاضٌ أكبر من الانكماش بالنسبة للشركات في تمويل المشاريع، (اييت جاست) خصوصاً متورطة بقضيَّة قانونيَّة باهظة مع مورد سابق وتتعرض لضغوط للحصول على تمويلٍ لإكمال الامور.


صناعة ناشئة

تراجع الاقبال على هذه الصناعة في فلوريدا وألاباما بسبب قوانينها التي تحظر بيع اللحوم المزروعة. لكن اطلاق منتج «غود مييت» في احد متاجر بيع التجزئة يمنحه ايجابيَّة لبيعها للمستثمرين الذين يأملون بضخ الاموال لاستمرار الصناعة.لا ينبغي لنا أن نتوقع أن تؤدي كل علامة مهمة الى متجر بيع بالتجزئة ثم تتضاعف، مثل اطلاق مطاعم راقية في اميركا وتلاشت بسرعة. لا تزال الصناعة في بدايتها وتهدف لجذب انتباه المستثمرين وإثارة توقع المستهلكين على حد سواء.قد لا تجذب شرائح الدجاج ذات الاصل النباتي رغبة المستثمرين والمستهلكين، لذلك تحاول الشركات الناشئة تجنب مشكلة التكلفة من خلال تقليد منتجات راقية مثل سمك السلمون وشرائح اللحم المصنوعة من السوشي. ويميل اخرون الى كل ما هو غير مألوف، مثلا شركة « Vow» الاستراليَّة تبيع بارفيه السمان المستزرع في احد مطاعم سنغافورة، لكن من المبكر جداً معرفة ايٍ منهما سينجح على حساب الثاني.

لا يعدُّ ما سبق تشاؤماً بشأن اللحوم المستنبتة، لكنْ من المبكر معرفة مدى صحة مسار الصناعة لحل الصعوبات الرئيسة بشأن خفض تكلفة الخلايا الحيوانيَّة المخمرة، وما إذا كانت اللحوم المزروعة تُبهر المستهلكين اكثر من اللحوم النباتيَّة. لمعرفة كل ذلك، يتوجب علينا الانتظار فترة طويلة.


مجلة wired الاميركيَّة