محمد صالح صدقيان
التحدي الاول؛ الملف الداخلي وهو معقد وشائك ينسحب علی مجالات سياسية واقتصادية وأمنية واجتماعية مختلفة؛ خصوصا أن الخطة العشرينية 2025 شهدت تلكؤًا في تطبيقها لاسباب تتعلق بالمقاطعة؛ وسوء الادارة؛ وسريان مواقف متشدده تتعارض مع الواقعية السياسية، لتنفيذ السياسيات الواجب اتباعها للوصول لاهداف الخطة العشرينية 2025؛ ومنها النمو الاقتصادي الذي حددته الخطة بنسبة 8 بالمئة.
يعيش الداخل الإيراني والمنطقة حالة من الترقب لمعرفة نتائج الانتخابات الرئاسية المبكرة، بعد رحيل الرئيس ابراهيم رئيسي، والتي تجری في 28 الجاري لجهة البرامج، التي يطرحها لمعالجة المشكلات الداخلية، وتحديدا الاقتصادية منها أو للاستحقاقات الاقليمية والداخلية بعدما اضحت إيران احد اللاعبين المهمين في المنطقة، سواء اتفقنا مع سياستها ام لا.
وعلی طاولة الرئيس الجديد ايا كان اسمه أو اتجاه السياسي، اربعة تحديات استراتيجية يجب معالجتها أحدهما يتعلق بالوضع الداخلي والباقي مع اطراف خارجية، لكن هذه الملفات الأربعة مترابطة بنتائجها بعضها بالبعض الآخر.
التحدي الاول؛ الملف الداخلي وهو معقد وشائك ينسحب علی مجالات سياسية واقتصادية وأمنية واجتماعية مختلفة؛ خصوصا أن الخطة العشرينية 2025 شهدت تلكؤًا في تطبيقها لاسباب تتعلق بالمقاطعة؛ وسوء الادارة؛ وسريان مواقف متشدده تتعارض مع الواقعية السياسية، لتنفيذ السياسيات الواجب اتباعها للوصول لاهداف الخطة العشرينية 2025؛ ومنها النمو الاقتصادي الذي حددته الخطة بنسبة 8 بالمئة. في الوقت الذي يحتاج الشارع الإيراني الی مساحة أوسع من الحريات الاجتماعية لتقليل حدة التوتر في الوسط الاجتماعي؛ وحاجة الوضع السياسي الداخلي لحالة من الوفاق السياسي؛ وخلق حالة من الامل عند شريحة واسعة من الشباب وطبقة المتعلمين وخريجي الجامعات والمعاهد العلمية؛ وإيجاد الأرضية اللازمة للاستثمارات للمساهمة في زيادة الانتاج؛ وخفض نسبة التضخم؛ وتقليل نسبة البطالة؛ وازالة القلق عند شريحة واسعة من الطبقة الوسطی من المتغيرات المستقبلية المحتملة؛ والقضاء علی الفساد المالي واستغلال المال العام لمصالح شخصية وفئوية.
التحدي الثاني؛ وهو الملف الاقليمي، الذي يشهد تغيرات جيوسياسية واسعة ومهمة تنعكس بشكل مباشر علی علاقات إيران بدول المنطقة. وتقع في أولوية هذه المتغيرات عملية التطبيع، التي تدفع بها الولايات المتحدة مع الكيان الاسرائيلي. ان عملية «طوفان الاقصی» خلقت عوامل جيوسياسية جديدة في المنطقة وان ما بعد 7 اكتوبر 2023؛ وما بعد غزة لن يكون كما قبلها. واستنادا علی ذلك؛ فان إيران المنخرطة بشكل مباشر وبشكل عقائدي قيمي استراتيجي في القضية الفلسطينية ستواجه تحديات جديدة، ناهيك عن انعكاسات هذه التحديات علی علاقة إيران مع الدول العربية وتحديدا الخليجية منها. إن إيران مدعوة لمواجة تحديا رئيسا، وهو وجود الكيان الاسرائيلي في اطار القيادة المركزية الامريكية الخامسة، وهذا يعني دخول هذا الكيان كعضو في هذه القيادة المتمركزة في البحرين علی بعد كيلومترات من الحدود الإيرانية.
من جانب اخری تسعی السعودية لعقد معاهدة امنية مع الولايات المتحدة يصادق عليها الكونغرس الامريكي، وهذه المعاهدة لها تداعيات وانعكاسات امنية وجيوسياسية علی المنطقة ومنها العلاقة مع إيران ومع مواقفها السياسية والامنية الاقليمية.
إن إيران المتمسكة بمشروعها «محور المقاومة» الموجه ضد الكيان الاسرائيلي يكتنفه عديد المشكلات والعقبات، خصوصا اذا فاز رئيس يؤمن بالواقعية السياسية علی طريقته الخاصة ولديه تصورات معينة بشأن مستوی علاقة طهران بهذا المحور.
في الشرق من إيران هناك متغيرات جيوسياسية متعددة بعد حرب أوكرانيا وتداعيات الحرب الأذربيجانية الأرمينية، وهي بمجملها تشكل تحديا أمنيًّا لا يمكن المرور عليه مرور الكرام.
التحدي الثالث؛ وهو الملف النووي حيث لا يسير بشكل نمطي بسبب تدخل الدول الغربية والوقوف امام اي حل للتعاون الثنائي، الذي يضمن حقوق وواجبات إيران الدولة العضو في الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
واستنادا للقرار 2231 الصادر عن مجلس الامن الدولي في 2015 فإنه حدد 7 اكتوبر 2025 تاريخا لإنهاء العمل بهذا القانون. فاذا لم يتم التوصل مع الولايات المتحدة لاتفاق بشان القضايا العالقة، فمن المحتمل جدا ان تطلب واشنطن قبل السابع من اكتوبر 2224 من الدول الاوربية الثلاث الموقعة علی الاتفاق النووي استخدام «الالية القانونية الاوتوماتيكية» الواردة في القرار 2231 لعودة العقوبات المفروضة علی إيران؛ وهو ما يشكل تحدٍ جديد لإيران يضعها مرة اخری في دائرة العقوبات التي يفرضها مجلس الامن الدولي بما في ذلك الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة.
وعلی الرغم من أن هذا الخيار وان كان يتعارض مع الاتفاق النووي، الذي تم بين المجموعة الدولية وإيران؛ الا انه يشكل تحد جديد علی الحكومة الإيرانية المقبلة ان تاخذه بنظر الاعتبار، لأنه سوف يعطي قوة للمفاوض الغربي علی حساب الموقف الإيراني؛ ناهيك انه سيقلص دور إيران الاقتصادي في منظمة شنغهاي وفي مجموعة البريكس ويحرمها بشكل أو بآخر من علاقات اقتصادية مع المحيط الجغرافي والدولي.
التحدي الرابع؛ وهو الملف الامريكي. فالرئيس الإيراني الجديد سيكون وجها لوجه امام رئيس امريكي جديد تفرزه الانتخابات الرئاسية في نوفمبر 2024. وعلی هذا الرئيس أن يختار آلية التعامل مع الرئيس الذي سيدخل البيت الأبيض. هل يختار طريق المساومة؟ ام المواجهة؟ ام المفاوضات التي لم تأتِ بنتيجة حتى
الآن؟.
إن واشنطن 2025 ربما لا تكون كما هي عليه الان وعليه فانها تشكل تحديا اخر يستطيع تنشيط بقية التحديات؛ ولربما ياخذها باتجاه تراه واشنطن مناسبا لمصالحها؛ خصوصا اذا ما فكر الرئيس الامريكي الجديد التصعيد مع الصين وجعل إيران ورقة المعاملة بين واشنطن
وبكين.
إن هذه التحديات مطروحة بقوة علی طاولة الرئيس الإيراني العتيد وهي ليست بسيطة. ومعالجتها تحتاج الی واقعية سياسية والی دعم شعبي والی رؤية وتصور واضحين لوضع برنامج عملي جاد للتجاوزها.