أحمد عبد الحسين
قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر أمس: إن "من حقّ إسرائيل استهداف المدنيين". بعدها بساعتين فقط كانت الصواريخ الإسرائيلية تسقط على رؤوس أطفال ونساء مخيم النصيرات، ولم تكن مفاجأة حين أعلن مسؤول عسكري أميركي بأن القوات الأميركية شاركت هي الأخرى في العملية.
سارعتْ الخارجية الأميركية إلى إصدار توضيح قالت فيه إن تصريح ميلر كان "زلة لسان"، لكن ما حدث على الأرض في النصيرات يثبت أنه لم يكن كذلك.
زلّات لسان كهذه، سمعنا مثلها الكثير في حروب أميركا ضدّ الشعوب، كانت الجثث تتراكم هنا وهناك والفواجع تتوالى في الوقت الذي تعتذر فيه أميركا لاحقاً عن زلّات لسانها القاتلة.
في الحقيقة فإن عبارات كهذه يراد منها تهيئة النفوس لتعتاد على أمر واقع يتمثل في هذه العنجهية، عنجهية القويّ الذي لا يعبأ بأرواح الناس، كما لا يعير وزناً لكل حديث لا نفع فيه عن الأخلاق ولوائح شرعة حقوق الإنسان. فكل تلك الموارد بضاعة يتداولها ضعفاء لتطمين أنفسهم بوهم الحد الأدنى من الرأفة الذي يكون حتى لدى الوحوش الضارية في الغابات، لكنه لا يوجد في العقلين الإسرائيلي والأميركي.
خلال الثمانينات كنا نقرأ في الأدبيات الإسلامية عبارة "إسرائيل وأميركا شرّ مطلق"، وكنت شخصياً أجد في الأمر بلاغة مبالغة وتهويلاً، وحتى في التسعينات حين قرأت كتاب مطاع صفدي "في نقد الشرّ المحض" الذي يتحدث عن شيطان الشرور الذي يحكم الغرب وأميركا تحديداً، كنت أحسبه ينطلق من قاعدته الإيديولوجية التقليدية. لكن الفظائع الرهيبة التي نراها عياناً ويراها معنا العالم المتحضر تكشف عن أن هناك شرّاً لا رادع له ولا حدود، ليس له مثال في كل مراحل التاريخ الإنسانيّ منذ الكهف وحتى اليوم.
الهدف واضح وهو يتمثل في إبادة شعب بأكمله، وإذا كانت الإعدادات "الإنسانية" عائقاً أمام تحقيق هذا الهدف الشيطاني الأميركي الإسرائيلي، فسوف نتخلى عنها بكل وضوح. وسنقول لكم إنها كانت زلَّة لسان.
ما حدث أمس في النصيرات، وما يحدث كل يوم في غزة ورفح، هو تكرار لما فعله الوحوش الشقر "التعبير لنيتشه" مع سكان أميركا الأصليين. إنه خلاصة الشرّ كله مصفى ومقدماً للبشرية لتتناوله مرغمة بالشوكة والسكين.