سعد العبيدي
عند أخذ مسحة من كتابات وآراء وتعليقات العراقيين وسلوكهم في التعامل والعلاقات العامة، يظهر أن الكثير منهم في هذه الفترة الزمنية يعانون من سعة الشك في الذات والإنسان الآخر، مما يؤدي إلى توزيع الاتهامات بناءً على معطيات غير صحيحة.
الشك هنا هو «حالة نفسية تتسم بالتردد وعدم اليقين بالأشياء أو الأشخاص أو الذات، تتراوح شدتها من تجربة طبيعية مؤقتة إلى حالة مرضية تؤثر على حياة الفرد الشكاك، ومن حوله بشكل كبير»، مما يعني أنه عرض نفسي يتجلى في عدم الثقة بالنفس والقدرات، والنوايا، والأفعال، يمكن أن يتسبب في إحداث تأثيرات سلبية على مستوى الفرد، قابلة للتوسع والامتداد إلى المجتمع والدولة. في الشك تضطرب الأحكام، وتقل القدرة على اتخاذ القرارات، ويتأثر الأداء سلباً في العمل والعلاقات، وفي الحالات الشديدة، تكون هناك صعوبة في تحقيق الأهداف، وتتضاعف مستويات القلق والخوف من الفشل، كما أن الإفراط في الشك كما نراه الآن خلق جواً من عدم الثقة، وعزز التوتر بين الجماعات والأحزاب والكتل والعشائر، حتى بات من السهل توجيه الاتهامات بدون أدلة، والتشكيك في النوايا دون مسوغ بمقادير أسهمت مع عوامل أخرى في تسارع التفكك بالنسيج الاجتماعي وزيادة عدد النزاعات، وتراجع قيمة التضامن الاجتماعي، ستزداد تأثيراته السلبية مع وجود السلاح المنفلت في البيت والشارع، ليصبح مشكلة يخشى امتدادها إلى مؤسسات الدولة... مشكلة إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار وجود مؤشرات لامتدادها، حيث الشك في نوايا وأفعال المسؤولين، وفقدان الثقة في المؤسسات الحكومية والقيادات السياسية، فإنها في نهاية المطاف ستسهم في زيادة التسارع باضطراب الاستقرار السياسي والاقتصادي، وتعزز الشعور بعدم الأمان والريبة تجاه السياسات والإجراءات المتبعة، مما يجعل الفساد والفوضى سمة لهذه المرحلة الحساسة. مما سبق يتبين أن الشك المفرط مشكلة نفسية ليست فردية، بل أصبحت في عراقنا الجديد عامة تشمل المجتمع والدولة، مما يتطلب الالتفات إليها في الطريق إلى تحقيق الاستقرار في ربوع عراق يستحق مواطنه التنعم بالاستقرار.