محمد صالح صدقيان
تشير التقديرات الاولية إلی أن المشهد الانتخابي الرئاسي الراهن، سيشهد إقبالا أقل مايمكن القول بأنه سيكون أفضل من سابقه، بل ربما كما يعتقد مهتمون بالاجتماع السياسي أن تتكرر تجربة عام 1997 عندما فاز الرئيس محمد خاتمي أمام منافسه المدعوم، آنذاك من قبل جميع مراكز القرار الايرانية علي أكبر ناطق نوري.
حرّكت الانتخابات الرئاسية الإيرانيَّة المبكرة القسم الكبير من المياه الراكدة في المشهد السياسي الايراني بعد الانتقادات، التي وجهت للنظام الذي ساهم في تركيز السلطة بيد التيار الأصولي وابعاد التيارات الأخری المعتدلة والاصلاحية من المشهد.
هذه الانتقادات لم تقتصر علی الاصلاحين فحسب بسبب مايعتقدون بانهم استبعدوا عن هذه المراكز بسبب موقف مجلس صيانة الدستور الذي ينظر باهليتهم للمشاركة في الانتخابات البرلمانية والرئاسية ومجالس البلديات؛ وانما حتی أولئك الذين يساهمون في المراكز الاستراتيجية ومراكز الفكر الايرانية لجهة ان سيطرة لون واحد من التفكير علی مراكز القرار افقد هذه المراكز مساحة كبيرة من الحركة باتجاهات مختلفة، وعطلت طاقات وإمكانات انسانية امتلكت الخبرة والتجربة والكفاءة، الذي كان من الممكن له المساهمة في خدمة مجالات متعددة، خصوصا في المجال الاداري والفني والاقتصادي وحتی السياسي.
عملية انتخاب شخصية مرشحه من قبل الجبهة الاصلاحية «مسعود بزشكيان» للدخول في السباق الانتخابي تحسب للنظام السياسي، الذي ربما شعر بضرورة إشراك هذا التيار في الانتخابات الذي يملك وسطا لايقل اتساعا عن منافسه التيار الأصولي، مما ادی إلی انخفاض نسبة المشاركة الشعبية في الانتخابات الرئاسية السابقة لاقل من 50 بالمئة، كما أنها انعكست علی هذ النسبة في الانتخابات البرلمانية الاخيرة.
وتشير التقديرات الاولية إلی أن المشهد الانتخابي الرئاسي الراهن، سيشهد إقبالا أقل مايمكن القول بأنه سيكون أفضل من سابقه، بل ربما كما يعتقد مهتمون بالاجتماع السياسي أن تتكرر تجربة عام 1997 عندما فاز الرئيس محمد خاتمي أمام منافسه المدعوم، آنذاك من قبل جميع مراكز القرار الايرانية علي أكبر ناطق نوري.
لا أريد الدخول بجدلية امكان تكرار هذه التجربة من عدمها في العام 2024، بسبب تغير كثير المعادلات السياسية الداخلية والاقليمية والدولية؛ لكن قراءة اتجاهات الراي في المجتمع الانتخابي الايراني، ربما يسهل علينا حل بعض المجاهيل في المعادلة الانتخابية المعقدة لدی الشارع الايراني.
المجتمع الانتخابي الايراني يمكن تقسيمه الی ثلاث اقسام.
القسم الاول يمثله الاصوليون المتحزبون العقائديون بنسبة 30 بالمئة؛ فيما يمثل الاصلاحيون المتحزبون العقائديون نسبة 30 بالمئة ايضا؛ تبقی نسبة 40 بالمئة فهم يمتثلون «الطبقة الرمادية»، التي تميل لهذا التيار أو ذاك لكنهم غير متحزبين وتحركهم في اغلب الاوقات دوافع وحسابات خاصة بهم.
واذا اردنا تفكيك تركيبة «الطبقة الرمادية» فيمكن أن نضع نسبة 10 بالمئة لكل من المؤيدين لكلا التيارين الأصولي المحافظ والاصلاحي؛ فيما تاخذ الطبقة الصامتة نسبة 20 بالمئة .
ومن الطبيعي؛ أن أي مرشح من أي من التيارين يضمن نسبة 30 بالمئة لاعتبارات حزبية وعقائدية؛ لكنه يفكر في آلية تحفيز الطبقة الرمادية، وانضمامها له عند مراكز الاقتراع؛ خصوصا عندما تكون هناك منافسة.
واستنادا علی ذلك عندما بلغت نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية السابقة بمستوی 43 بالمئة، فإنها في حقيقة الأمر شملت الـ 30 بالمئة الأصولية المحافظة، اضافة إلی 13 بالمئة من الطبقة الرمادية، وهي المؤيدة والصديقة للتيار المحافظ، فيما امتنع الوسط الاصلاحي وأصدقاؤه من التوجه لصناديق الاقتراع، أو أنه شارك لرفع نسبة المشاركة، لكنه أعطی ورقة بيضاء، بسبب عدم المصادقة علی اهيلة مرشحين إصلاحيين. واستنادا علی ذلك فقدت الانتخابات السابقة مشاركة 60 بالمئة، بسبب غياب وسط اجتماعي معين من الانتخابات.
راهنا؛ يبدو أن التيار الاصولي المحافظ كعادته سيشارك في الانتخابات وفق حجمه الانتخابي، في الوقت الذي يطمح الی تحفيز أوساط الطبقة الرمادية؛ وهذا مايسير عليه ايضا التيار الاصلاحي.
لكن هناك محددات امام كلا التيارين. فالتيار الاصولي المحافظ ينزل للانتخابات بخمسة مرشحين وهذا يعني تشتت الاصوات اللهم الا اذا وافق عدد منهم الانسحاب لمرشح واحد وهذا غير ممكن، بناءً علی تصريحات هؤلاء المرشحين؛ لكن الاحتمال الاقوی ان يتم انسحاب ثلاثة من المرشحين وهم علي رضا زاكاني وامير حسين قاضي زادة هاشمي لصالح المرشح سعيد جليلي، فيما توقعت مصادر انسحاب مصطفی بور محمدي لصالح المرشح محمد باقر قاليباف وهذا يعني بقاء جليلي وقاليباف في مضمار السباق، وهي افضل حالة للتيار الاصولي المحافظ لكنها ايضا ليست لصالح هذا التيار لان الاصوات ستٌقسم بين المرشحين قاليباف وجليلي .
اما التيار الاصلاحي فانه رشح المرشح مسعود بزشكيان لكنه لا يلقی حتى الآن قبولا قاطعا من قبل جميع الاحزاب والتجمعات الإصلاحية، حيث تعمل شخصياته واحزابه اقناع الجميع بضرورة المشاركة في الانتخابات، لوضع حد لتفرد الجناح المقابل بالسلطة.
واذا ما نجح في اقناع الجميع بالمشاركة، فالتوقعات تشير الی حصول مرشح هذا التيار علی اغلبية قاطعة كما حدث تحديدا خلال انتخابات عام 1997 بسبب تركيز الاصوات علی مرشح واحد.
وفي الحسابات الانتخابية المتوقعة؛ فإن هذا المشهد يؤشر إلی ان العملية الانتخابية، ستكون علی مرحلتين وان المنافسة ستكون بين المرشحين الثلاث مسعود بزشكيان وسعيد جليلي ومحمد باقر قاليباف. فاما أن تكون بين بزشكيان وقاليباف؛ أو بين بزشكيان وجليلي؛ لكن الاحتمال الاضعف ان تكون بين جليلي وقاليباف.
واعتقادي ان بزشكيان سيكون الخاسر الاكبر اذا ما رحلت الانتخابات للمرحلة ثانية فاذا لم تحسم لصالحه في المرحلة الاولی ستكون لصالح قاليباف في المرحلة الثانية اما جليلي فانه يضمن الــ 30 بالمئة، لكن من الصعب تحريك الطبقة الرمادية لصالحه، بسبب مواقفه المتشددة حيال القضايا المطروحة في الداخل الايراني.
تبقی حسابات الدولة العميقة، فلا دخل لي بها لأنها لا يعلمها الا الله والراسخون في العلم وأنا ليس منهم!.