الطاقة الاستيعابيَّة

اقتصادية 2024/06/23
...

ياسر المتولي
تعدّ الطاقة الاستيعابيَّة مفهومًا حيويًا لفهم ديناميكيات الاقتصاد والتحكم في النمو بطريقة متوازنة ومستدامة حقاً.

وتقاس الطاقة الاستيعابيَّة لاقتصاد البلدان بمدى استثماراتها بالسلع التبادلية (السلع الزراعية والصناعات التحويلية).

ووفقاً لهذا المنطوق فإنَّ الطاقة الاستيعابية للاقتصاد العراقي متراجعة جداً كونه يعتمد على الثروة النفطية وعوائدها المرتفعة والتي تتسبب باختلال هيكلي بالوظائف التشغيلية.

  وهنا يوصي خبراء الاقتصاد بأهمية الاستثمار في السلع التبادلية التي تفضي إلى زيادة الإنتاج وتوفيرها فرص عمل وبما يقلل من الاعتماد على الموارد النفطية الأحادية الجانب.

 وهناك تجربة غنية وقريبة من محيطنا العربي هي أزمة مصر ومحاولات مواجهتها بكونها أفضل تجربة في هذا الخصوص.

يقول كبير الاقتصاديين المصريين لا يمكن الاعتماد كلياً على الاستثمارات المتدفقة على البلد ما لم ترافقها زيادة كفاءة الإنتاج وتحقيق استقرار في نظام الصرف وسعر الصرف والأسعار بشكل عام.

والمقصود بنظام الصرف تقييم العملة بالدولار فقط وهذا تحديد، إذ يدعو إلى تقييم العملة بسلة العملات لتخفيف الفروقات عند الأزمات.

هذا التحذير يأتي غداة السياسة الإقراضية التي حصلت عليها مصر جراء تعويم الجنيه وتغيير سعر الفائدة وحصلت على تقييم تصنيف ائتماني لمصارفها مشجع لجذب الاستثمارات، وعلى الرغم من ذلك يرى الاقتصادي المشهور أنَّ معالجات على هذا النحو لا تطمئن، فدخول الأموال الساخنة وخروجها بسرعة يتسبب في خلل هيكلي في الاقتصاد المصري بحسب اعتقاده، إذ يغني الدولة عن التفكير بالإنتاج وهنا يكمن المحذور.

فتجربة مصر هذه نسوقها هنا ذلك لتماثل بعض أوجه التشابه مع بوادر الأزمة المالية في بلادنا سواء في نقص السيولة وتذبذب سعر الصرف وارتفاع الأسعار.

غير أنَّ الفارق هو أنَّ العراق بلد نفطي يعتمد على العوائد النفطية في كل حساباته بينما مصر كانت بلداً منتجاً يعتمد على الصناعة والزراعة والسياحة، إلا أنَّ الإنتاج قد تراجع فيها في الآونة الأخيرة.

وخلاصة التحليل فإنَّ التركيز على تنشيط القطاعات الإنتاجية والاستثمار فيها هو العامل الأبرز والأهم في معالجة مناحي الخلل الهيكلي في الاقتصاد العراقي والتي تحد من طاقته الاستيعابية.

واحدة من أهم التحديات الأخرى التي ما زالت يواجهها الاقتصاد العراقي هي الديون الخارجية والداخلية والكلف المرتفعة لخدمة الديون.

صحيح أنَّ المشاريع الخدمية التي باشر بها العراق مؤخراً هي لخدمة المجتمع إلا أنَّ الحاجة تقتضي الشروع بمشاريع ذات مردود إنتاجي سريع للتخفيف عن كاهل الموازنة وتقليل نسبة العجز والتفكير في معالجته.

إنها مجموعة أفكار نسوقها ونضعها أمام أصحاب القرار وراسمي السياسة الاقتصادية في بلادنا للتذكير بأهميتها عند التفكير بالاستثمارات المقبلة.