من غدير خم إلى بناء دولة المواطنة

آراء 2024/06/24
...

  وجدان عبد العزيز

من يريد بناء دولة المواطنة عليه بسيرة الإمام علي، ففيها عبر ودروس، فمن نفحات سيرته تلك الالتفاتة المتمثلة بهذه الرواية، وقضية الرجل النصراني الكفيف، حيث كان الإمام عليه السلام في شوارع الكوفة.. فمر بشخص يتكفف وهو شيخ كبير السن، فوقف متعجباً وقال: ما هذا؟ ولم يقل من هذا، و(ما) لما لا يعقل، و(من) لمن يعقل، أي انه (عليه السلام) رأى شيئاً عجيباً يستحق أن يتعجب منه، فقال أي شيء هذا؟، قالوا: يا أمير المؤمنين إنه نصراني قد كبر وعجز ويتكفّف، فقال الإمام: ما أنصفتموه.. استعملتموه حتى إذا كبر وعجز تركتموه، اجروا له من بيت المال راتباً.. والمقولة المشهورة له، لمالك الأشتر عندما ولاه مصر، حينما كان خليفة للمسلمين، حيث قال له: (النّاسُ صِنْفانِ إمّا أَخٌ لَكَ في الدِّيْنِ، او نَظِيرٌ لَكَ في الخَلْقِ)، وهي مقولة انسانية أممية تدخل ضمن بناء دولة المواطنة، التي لاتفرق بين الناس على اساس الدين او
غيره..
المقالة:
حالما نتناول الحادثة التاريخية التي وقعت في غدير خم، حيث بويع له بخلافة خاتم الانبياء والرسل في الثامن عشر من ذي الحجة في السنة العاشرة من الهجرة في (غدير خم) بأمر الرسول، وهنا يكون استحضار سيرته عليه السلام، فسيرته كلها معطيات ومقدمات للحكم الصالح.
 وكان من اوائل من أسلم، نافح عن الإسلام صغيرا وشابا وكهلا، وشارك في غزوات الإسلام الكبرى، عُرف بالشجاعة وتوقد الذكاء والفقه بأمور الدين والحكمة، فالنشأة هذه معطى مهم في اخلاصه للدين الجديد وللنبي، فاذا توغلنا في سيرته، نجد الكثير من المعطيات، التي تجعل الأمة الاسلامية تجمع امرها لاستحقاق الخلافة بشهادة كل المصادر السنية والشيعية، وبشهادة ايضا الكثير من الباحثين الحيادين وغير مسلمين من حيث التعمق في سيرته
 العطرة.
 ففي غدير خم كانت خطبة الرسول الكريم(أَحْمَدُهُ كَثيراً وَأَشْكُرُهُ دائِماً عَلَى السَّرّاءِ وَالضَّرّاءِ وَالشِّدَّةِ وَالرَّخاءِ، وَأُومِنُ بِهِ وَبِمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ. أَسْمَعُ لاَمْرِهِ وَأُطيعُ وَأُبادِرُ إلى كُلِّ ما يَرْضاهُ وَأَسْتَسْلِمُ لِما قَضاهُ، رَغْبَةً في طاعَتِهِ وَخَوْفاً مِنْ عُقُوبَتِهِ، لاَنَّهُ اللهُ الَّذي لا يُؤْمَنُ مَكْرُهُ وَلا يُخافُ جَوْرُهُ، وَأُقِرُّ لَهُ عَلى نَفْسي بِالْعُبُودِيَّةِ، وَأَشْهَدُ لَهُ بِالرُّبُوبِيَّةِ، وَأُؤَدّي ما اوحى بِهِ إلَيَّ، حَذَراً مِنْ أَنْ لا أَفْعَلَ فَتَحِلَّ بي مِنْهُ قارِعَةٌ لا يَدْفَعُها عَنّي أَحَدٌ وَإنْ عَظُمَتْ حيلَتُهُ وَصَفَتْ خُلَّتُهُ ; لا إلهَ إلاّ هُوَ.لاِنَّهُ قَدْ أعْلَمَني أَنّي إنْ لَمْ أُبَلِّغْ ما أَنْزَلَ إلَيَّ في حَقِّ عَلِيٍّ فَما بَلَّغْتُ رِسالَتَهُ، وَقَدْ ضَمِنَ لي تَبارَكَ وَتَعالى الْعِصْمَةَ مِنَ النّاسِ وَهُوَ اللهُ الْكافِي الْكَريمُ. فَأَوْحى إلَيَّ: (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحيمِ، يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ). مَعاشِرَ النّاسِ، ما قَصَّرْتُ في تَبْليغِ ما أَنْزَلَ اللهُ تَعالى إلَيَّ، وَأَنَا أُبَيِّنُ لَكُمْ سَبَبَ هذِهِ الاْيَةِ: إنَّ جَبْرَئيلَ هَبَطَ إلَيَّ مِراراً ثَلاثاً يَأْمُرُني عَنِ السَّلامِ رَبّي ـ وَهُوَ السَّلامُ ـ أَنْ أَقُومَ في هذَا الْمَشْهَدِ فَأُعْلِمَ كُلَّ أَبْيَضَ وَأَسْوَدَ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبي طالِب أَخي وَوَصِيّي وَخَليفَتي عَلى أُمَّتي وَالاْمامُ مِنْ بَعْدي، الَّذي مَحَلُّهُ مِنّي مَحَلُّ هارُونَ مِنْ مُوسى إلاّ أَنَّهُ لا نَبِيَّ بَعْدي، وَهُوَ وَلِيُّكُمْ بَعْدَ اللهِ وَرَسُولِهِ.)، وهذا المعطى الاخر على حق خلافة الامام لرسول الله، وهو مصداق الاية الكريمة، وحينما صرح الرسول الكريم بقوله: (ألا فَمَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَهذا عَلِيٌّ مَوْلاهُ، اللّهُمَّ والِ مَنْ والاهُ وَعادِ مَنْ عاداهُ وَانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ)، والمعطى الاخر، حيث روى ابوبكر: (ولما كان موضوع كتابنا هذا هو نقل روايات الخلفاء واعترافاتهم التي أقروا بها بأولوية الإمام علي عليه السلام يجدر بنا أن نلفت أبصار القراء الكرام إلى حقيقتين مهمتين بلغتا من الأهمية حدها الأقصى حتى يذهب الزبد جفاء ويبقى ما ينفع
 الناس:
الأولى: قال أكثر الحفاظ والمؤرخين السنيين الذين رووا حديث الغدير في كتبهم ورسائلهم، او صنفوا كتابا مستقلا وخاصا بموضوع الغدير: إن أبا بكر وعمر وعثمان كانوا في مقدمة الرواة لحديث الغدير الذين نقلوا قول النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام: من كنت مولاه فهذا علي مولاه.
الثانية: روى أكثر من ستين عالما وحافظا ومؤرخا بأن أبا بكر وعمر هما أول من بارك وهنأ علياً بالخلافة والولاية وقالا له: بخ بخ لك يا علي، او قالا له: أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن..
وهنا اؤكد وكلي ثقة أن الامام علي عليه ومن خلال الكثير من المعطيات استحقاق خلافة الرسول الكريم له، ولا احيد عن حبه والولاء له، ولكني اعارض وبكل ما املك من حب للإمام علي عليه السلام من يجعل خلافته عصا لشق وحدة الوطن العراقي الواحد، فالوطنية هي الدالة الوحيدة التي نبني على أساسها دولة العراق الحديثة، ووفق دستورها ومنهجها الديمقراطي...