عبد الهادي مهودر
بدءاً، كل عام وأنتم بخير، عبر عالمنا الورقي وصفحات (الصباح) الغراء، مثلما تبادلنا التهاني عن بعد عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أو بالأصح مواقع التباعد الاجتماعي التي جعلت من التواصل الافتراضي بديلاً عن التزاور واللقاء وفي الحد الأدنى للمشاعر بحيث يمكن أن تصلك في آخر يوم من أيام العيد رسالة من صديق افتراضي يقول فيها يسرّني أن أكون أول المهنئين، وكما يقول الشاعر الأندلسي ابن زيدون "أضحى التنائي بديلاً من تدانينا، وناب عن طيب لقيانا تجافينا" وقد حلّ عيد الأضحى والناس بين مسافر هارب من الحر ومسافر هارب من العيد، وبين ملتزم بنصائح الأنواء الجوية بعدم التعرض لأشعة الشمس ليقضي عيده بين جدران البيت والعالم الافتراضي، وبين نسبة محافظة لا تزال تتبادل الزيارات تمسكاً بواجب صلة الأرحام وبتقليد اجتماعي راسخ في العيدين لكنّ هذه النسبة في تراجع لا تخطئه عين، وقد حكى لي شيخ كبير كيف كانت دهشة واستغراب جاره حين طرق بابه لمعايدته في طريق عودته مبكراً من أداء صلاة العيد وكيف تدارك الجار هذا الموقف المحرج وبادله التهاني في اللحظة الأخيرة، بعد أن كاد يسأله (تفضل شيخ أمر خدمة ؟!) وكأن ابن زيدون يصف هذا المستوى من العلاقات الاجتماعية في نونيته الشهيرة، هذا الشاعر الذي ولد في قرطبة واشتهر (شهيرة) بحبه لولادة بنت المستكفي وبقيت قصتهما على كل لسان منذ القرن الرابع للهجرة كأجمل قصص الحب في التلاقي والتنائي والتجافي، ونسجت حولها الأساطير كأي حدثٍ من أحداث الماضي المضخّمة التي يختلط فيها الصدق بالكذب والخيال كخيالات نزار قباني عن قصر الحمراء وغرناطة وأحزان الأندلس، وأعذب الشعر أكذبه كما يقال، ولأن ابن زيدون وولادة شاعران فقد كانا يتبادلان قصائد الغزل حيث لا صفحات واتس آب وفايبر وتلغرام ولا بصمة صوت تنقل الأشواق، ولا اعجاب الكترونياً ولا تعليق ولا حديث على الخاص، وكانا يتراسلان بالوسائل البدائية لذلك الزمان الذي يفتقر لوسائلنا السحرية التي قرّبت علينا البعيد وبعّدت القريب وربما قضيا أكثر أيام حبهما كلاماً في كلام، غير أن ابن زيدون كان شاعراً مقرّباً وسياسياً ووزيراً في حكومات متعاقبة، ولا بد أن يكون له نفوذ وسطوة تمكنانه من بلوغ أهدافه ولقاء الحبيبة، لكن كيف وعيون العسس والناس والخصوم مفتوحة والطرق كأنها مراقبة بالكاميرات، فلا ابتلت الجوانح بالقصائد العمودية ولسان حاله يقول "خليليّ لا فطرٌ يسر ولا أضحى فما حال من أمسى مشوقاً كما أضحى"، ولا جفّت المآقي بالتهاني
الالكترونية.