«دكمة» الماضي

آراء 2024/06/26
...

حمزة مصطفى

ءتساءل أحد الزملاء على صفحته بالفيس هل بوسع أحد في نصف درجة الغليان بالحر، أن يفكر مجرد تفكير ماذا تعشى البارحة وليس العودة إلى مئة سنة إلى الوراء، وأحيانا ألف سنة، أو ألف ومئتي سنة، أو حتى الف وأربعمئة وخمسين سنة؟ الجواب ليس فقط نعم، بل كم هو بطران إذن؟ وإذا حاولت أن تسأل لماذا يفعل ذلك بل ويصر عليه يأتيك الجواب الجاهز القاطع المانع .. إنه الماضي يا ... ذكي. لكن الماضي، كل الماضي، تاريخا وتراثا ومواقع وشخصيات وأدوارا وسياقات وملاحم وبطولات وهزائم وملخيات أصبح مجرد «دكمة» في ظل التطور المذهل الذي جلبه لنا الغرب، الغرب الكافر طبعا من منظور من ينبش بالماضي، بل ويعيش على هذا «التنبيش» آناء الليل وأطراف النهار.
كل الذي حصل أن هذا الغرب سهّل على جماعة «التنبيش» ما يريدون أن يعملوه. فمنذ عصر النهضة ثم عصر التنوير تراكمت التجارب والأبحاث والاكتشافات منذ غاليلو وأرضه، التي تدور إلى تفاحة نيوتن التي جذبت فيما بعد كل المجرات ومهدت الطريق أمام أرمسترونغ «التبختر» على سطح القمر، قاطعا خطوة صغيرة كإنسان لكنها كبيرة للبشرية. وبعد سلسلة التجارب والأبحاث والاختراعات دخلت البشرية ودخلنا معها نحن دعاة الحنين إلى الماضي طورا، بل أطوارا جديدة تم خلالها اختزال كل شيء بحيث أصبح في النهاية مجرد تطبيق يريك الطريق «ويلز وربعه» أو مجموعة خوارزميات تلعب بها ماتشاء وتلعب بـ «مخك» ما تريد وصولا إلى تحويل كل ماضيك وتاريخك وتراثك وملاحمك وانتصارات وهزائمك وأيامك ولياليك إلى مجرد «دكمة»، ما أن تضغطها حتى تنفرش لك على شاشة هاتفك الذكي لكي ترى كل شيء .. الخفي والمعلن على «كولة» دونالد رامسفيلد الذي كتب مذكراته برؤوسنا بعد الاحتلال الأميركي لبلدنا عام 2003. هذه «الدكمة» تريك كل وقائعك التي هي سود كما يقول شاعرك بعكس صنائعك، التي هي بيض على حد قوله أيضا والتي لو رميناها بالبحر الأبيض المتوسط لصبغ حبرها مياهه من مضيق جبل طارق إلى ساحة عقبة بن نافع.
ولأن ماضينا بوقائعه السود وصنائعه البيض صار عبارة عن «بي دي أف»، بمتناول أيدينا ولا يحتاج منا إلى أكثر من ضغطة زر لكي نتمكن وخلال ثانية واحدة استدعاء أي شاعر من شعراء المعلقات، واي فاتح من الفاتحين المختلف عليهم عادة، أو أي قائد أو زعيم أو خليفة أو سلطان، أو أي حقبة أو دولة أو إمبراطورية أو سلطنة أو إمارة أو أمير أو شيخ أو ثورة أو انتفاضة أو «دكة» بصرف النظر إن كانت ناقصة من وجهة نظر طرف أو مشرفة من وجهة نظر طرف آخر، أو بين بين من وجهة نظر «الطرف الثالث». وبالتالي يكون بمقدورنا التحكم بهذا التاريخ بكل مروياته كما نشاء ومثلما نريد. فالهاتف الذكي بأيدينا والتاريخ الضخم المملوء أخبارا ووقائع ومرويات لو أنزلتها على جبل قنديل لأنهار عبارة عن تطبيق على التلفون تقلب صفحاته مثلما تريد، فإن الأمر في الغالب لايحتاج منك سوى تدوينة على تويتر سابقا وأكس حاليا بسلامة ايلون ماسك تجعل طرفة بن العبد من شعراء الستينات «يتريك» في سوق السراي كبة السراي مع ياسين طه حافظ وفاضل العزاوي. كما بمقدورك إعادة جان دمو أو عبد الأمير الحصيري إلى عصر السليك بن السلكة أو تأبط شرا وإذا شئت عروة بن الورد. التلفون تلفونك والبي دي أف بي دي افك، والتاريخ تاريخك و .. يامخذات الولف وليفي وأريد وياه.