الانتخابات الرئاسيَّة في ايران.. توقعات ومخاوف
ابراهيم العبادي
اذا حصلت التغييرات التي تتوقعها استطلاعات الرأي فعلا، فنحن امام تجسيد عملي للتغييرات المتزامنة، بمعنى أن ما يحصل في شرق العالم من تغيير قد تكون له اصداء واستجابات في غرب العالم ايضا، هذا التغيير لا يأتي بالضرورة تماثلا وتوحدا في الاتجاهات والنتائج، لكن التغيير يجري وفقا لمتطلبات واحتياجات الشارع السياسي، خلافا لمنظور الاستمرارية السياسية التي تريدها القوى الحاكمة.
من ايران إلى بريطانيا وفرنسا وامريكا، تستعد هذه الدول لاجراء انتخابات حاسمة قد تاتي بتغيير كبير يثير آمالا ويؤجج مخاوف من انعكاسات كبيرة على المشهدين الداخلي والخارجي، فوفق نظرية التغييرات المتزامنة، من المحتمل جدا أن يحدث تغيير في هرمية السلطة التنفيذية في ايران إذا ما فاز المرشح الاصلاحي الطبيب مسعود بزشكيان، كما تشير استطلاعات الرأي والتوقعات، ليتلقى الاصوليون هزيمة منكرة تأتي بمثابة عقوبة من الجمهور على سياساتهم وشعاراتهم التي أرهقت البلاد، بموازاة ذلك قد تشهد بريطانيا هزيمة منكرة لحزب المحافظين، الذي يحكم البلاد منذ عام 2010، بعدما اشارت استطلاعات الرأي إلى ان المحافظين سيتلقون صفعة تاريخية وعقوبة انتخابية لانظير لها منذ 200 عام، في فرنسا المجاورة يستعد اليمين الفرنسي المتطرف للقفز إلى مقاعد السلطة لاول مرة، كما تشير التوقعات واستطلاعات الرأي ايضا في تحول نوعي ينتظر ان يهز فرنسا ويحرج الرئيس ماكرون واحزاب الوسط واليسار التي أفزعها حصول أحزاب اليمين على اكثر من ثلث اصوات الناخبين في انتخابات البرلمان الاوربي التي اجريت في الخامس من حزيران 2024. فيما تشهد امريكا اشرس حملة انتخابية بين الرئيس الحالي بايدن ومنافسه الرئيس السابق دونالد ترامب وقد يعود ترامب إلى البيت الابيض ليجدد سياساته الشعبوية، مثيرا مخاوف كثيرة في شرق العالم وغربه.
اذا حصلت التغييرات التي تتوقعها استطلاعات الرأي فعلا، فنحن امام تجسيد عملي للتغييرات المتزامنة، بمعنى أن ما يحصل في شرق العالم من تغيير قد تكون له اصداء واستجابات في غرب العالم ايضا، هذا التغيير لا يأتي بالضرورة تماثلا وتوحدا في الاتجاهات والنتائج، لكن التغيير يجري وفقا لمتطلبات واحتياجات الشارع السياسي، خلافا لمنظور الاستمرارية السياسية التي تريدها القوى الحاكمة.
في ايران تبدو انتخابات الرئيس الرابع عشر للجمهورية الاسلامية ذات اهمية كبيرة، فماسيترتب عليها من نتائج لن يكون محصورا داخل ايران، اذ هناك ترقب لما ستحدثه استجابات الشارع للتحديات التي تواجه ايران داخليا وخارجيا، ففوز مرشح اصولي لا يعني ترسيخ اقدام الاصوليين في مؤسسات التنفيذ والتشريع فحسب، بل يتجاوزه إلى الرؤى والافكار والسياسات والشعارات، خاصة تلك المتعلقة بالسياسات الخارجية والعلاقات الدولية، وهي اكيدا تهم بلدانا وشعوبا وحكومات تتأثر سلبا أو ايجابا بما سيتقرر في ايران، في لحظة مفصلية محتدمة . واحدة من اكبر مشكلات النظام السياسي في ايران هي اخضاع المؤسسات الدستورية للاتجاه السياسي الذي يسيطر عليها، فبغياب التمثيل الحزبي تصبح المؤسسة خاضعة لتوجهات من يهيمن عليها، كمجلس صيانة الدستور ومجلس الامن القومي، وهذه المؤسسات تملك مساحة واسعة في اتخاذ القرارات وبهيمنة الاتجاهات الاصولية على المؤسسات اتجهت ايران إلى مزيد من التشدد الداخلي والخارجي واثار ذلك تحديات كبيرة ومشكلات خطيرة، اذن ثمة حاجة للتغيير لاعادة الحيوية السياسية وثمة قلق من اتجاهات هذا التغيير، بافتراض ان الرئيس القادم اذا جاء اصلاحيا سيستطيع الافلات من قبضة الاتجاهات التي هيمنت على السياسة الخارجية، وقد يتمكن من تدوير الزوايا الحادة ويعيد (نغمة)الاعتدال التي كسرتها سيطرة الاصوليين على موقعي الرئاسة والبرلمان منذ فوز الرئيس الراحل رئيسي في انتخابات الرئاسة عام 2021، وافشالهم سياسات الرئيس روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف . ما يجري في ايران يعيد التذكير بالاجواء التي جرت فيها انتخابات الرئاسة عام 1997 والتي كان مرجحا ان يفوز بها مرشح الجناح المحافظ يومها علي اكبر ناطق نوري، لكن فوز الوجه الاصلاحي صاحب شعار التغيير محمد خاتمي اصاب الكثيرين داخل ايران بالدهشة واثبت قوة الرأي الاجتماعي في مقابل قوة المؤسسات التي راهنت على استمرارية السياسات، بما اكد على ضرورة قراءة التحولات في مزاج الجمهور، لا سيما الاجيال الجديدة والاستجابة لتطلعاتها أو المجازفة بخسارة مشاركتها وابتعادها عن دعم سياسات النظام. هناك ملفات كبيرة تحتل الاولوية في اهتمامات الايرانيين (الاقتصاد ومايرتبط به من سياسات داخلية وخارجية، الحريات؛ الحجاب واستخدام تطبيقات الانترنيت ووسائل التواصل الاجتماعي، تمثيل الاقليات في هرمية السلطة وفي المؤسسات وسيصوتون لمن يتحدث بها من المرشحين بجرأة كما يفعل بزشكيان، لا كما ينسبها الاصوليون المتشددون إلى (بيت) المرشد الاعلى ليخلوا مسؤولياتهم ولتبدو مواقفهم وكأنها طاعة للمرشد وغيرهم مخالف له، لا سيما العلاقات الخارجية وسياسات الامن القومي، فهناك سعة في اتخاذ القرارات رغم أن الكلمة الاخيرة للولي الفقيه، ومفتاح حل الكثير من المشكلات متوقف على مواقف ايران الاقليمية والدولية (محور المقاومة، الملف النووي، حرب أوكرانيا والتحالف مع روسيا، حرب غزة وأمن الممرات البحرية وسلام الشرق الاوسط )، وهذه تخضع للنقاش في مجلس الامن القومي، كما ان السياسات الامنية وتطبيق القوانين التي تتعلق بالحريات والمشاركة السياسية مرتبطة بما تقرره المؤسسات التي تلاحظ وتسترشد بما يصدر من المرشد من توجيهات واشارات وليس أوامر وقرارات، كقضية رعاية الحجاب للنساء ودور شرطة الاخلاق (گشت ارشاد )التي تثير خلافات ونزاعات كونها ترتبط بهوية النظام وسياساته الثقافية والاجتماعية .وهي من القضايا التي تحتل أولوية لدى النساء والاجيال الشابة التي ماعادت تكترث بالالتزامات (الشرعية )التي تمثل ثوابت في سياسات الهوية الاجتماعية.
يبدو خطاب المرشح الاصلاحي اكثر اقناعا وتأثيرا على الناخبين الساخطين والمعترضين والذين ينتظرون التغيير ومن مصلحة النظام عدم دفع هذه الملايين إلى الانزواء وعدم المشاركة والانكفاء، واذا نجح بزشكيان في اجتذابهم ودفعهم للمشاركة في الانتخابات، فإنه سيحصل على الاغلبية اكيدا خلافا لجمهور الاصوليين الثابت الذي سينقسم بين خمسة مرشحين بعضهم غير مرغوب به اجتماعيا. النظام يريد مشاركة واسعة في الانتخابات لتاكيد شرعيته السياسية واستمرار قاعدته الشعبية التي يعتبرها رأسماله الاكبر، وقلقه الاكبر من العزوف عن المشاركة كما حصل في الانتخابات النيابية الاخيرة، لكن اصوليي النظام قلقون اكثر من مجيء رئيس يكسر (ثوابتهم) ويغير من نمطية الخطاب السياسي ويعيد اجواء الانفتاح السياسي والثقافي ويخرج ايران من الجمود والركود الذي تعاني منه .