صناديق وتوافقات

آراء 2024/06/30
...

علي الخفاجي

إن تجربة الانتخابات هي من التجارب التي تحرص الدول على ممارستها ودائما ما تسعى للوصول اليها، فهي في المقام الاول حق ديمقراطي يمارسه المواطنون لاختيار ما هو انسب واصلح، وهي من الاسس المهمة لبناء المجتمعات الديمقراطية، وبذلك تعتبر ركنا اساسيا لنجاح الديمقراطية، الحديث عن تجربة العراق الحديث في هذا المجال، ونحن نتكلم عن بداية الحياة النيابية في البلد والتي انبثقت منها الانتخابات المحلية، حيث يعتبر العراق من أوائل البلدان الشرق أوسطية التي مارست حق الانتخاب ففي عام 1925 اجريت أول انتخابات بناء على توصية من الملك فيصل واجريت بدون اي احصائية لعدد السكان واعتمدت الحكومة حينها على مبدا التخمين بتوزيع
النسب.
مرت التجربة الديمقراطية في العراق منذ ذلك الحين والى الآن بكثير من المطبات والعراقيل والاعتراضات، فلن يتوانى المواطنون عن الاعتراض عن الانتخابات بشكلها العام وعن الدستور منذ أول كتابته فجميع الدساتير التي كتبت لاقت الكثير من الاعتراضات، وهذا وحسب راي استاذ القانون الدستوري الفرنسي جون لوب، حيث اشار باحدى محاضراته بان من مساوئ النظام الديمقراطي هو وجود فسحة من الحرية للشعب حيث باستطاعتهم الاعتراض والتظاهر على شكل القانون وفحواه، وبطبيعة الحال لاقى هذا الرأي اعتراضا كبيرا، وتم وصفه بانه شخص شوفيني لا يصلح أن يبدي رأيا، ولعل مثل هكذا اراء ومنطلقات جعلت كثيرا من البلدان تعتمد على المواثيق والاعراف هي الوسيلة الرئيسية في تلك البلدان، حيث إن دستور بريطانيا يعتبر غير مدون يتم الاعتماد على الحادثة كوسيلة للقوانين، وفي خضم التصارعات التي ولدتها الديمقراطية بقي الحديث قائما عن مكتسبات هذه العملية، حيث ولدت تساؤلا مهما وهو هل الانتخابات من الواجبات أم من الحقوق بالنسبة للمواطن؟ واستمرت التفسيرات والفرضيات من قبل المختصين بالقوانين الدستورية، فاعتبر جزءٌ منهم أن مثل هذه التجربة حق لكل مواطن، فقد نصت جميع المواثيق والمعاهدات على ذلك، لذا يعد هذا الحق ملزما بصفة وطنية، وان لم يكن ملزما دستوريا، والآخر اعتبره من الواجبات الاخلاقية، وليس الواجبات الحتمية التي تحتم على الممتنع عنها اي عقوبات، ومن هنا استمرت هذه الجدلية وستستمر، دائما ما نكرر في كتاباتنا هو ان التجربة الديمقراطية في البلد ما زالت تحبو، ولم تصل إلى مرحلة النضج بمعنى وبعد مرور اكثر من عشرين عاما ما زال المواطن لا يستطيع أن يمارس حقه الدستوري بكامل حريته، وحتى ان مارسها بالحرية المعهودة فانه سيصطدم بالرغبات والاهواء السياسية دون احترام صوت الناخب، الحديث عمّا جرى خلال الايام الماضية من صراعات حدثت داخل مجلس النواب وهي بالحقيقة لم تكن وليدة اللحظة، بل هي كانت تجري خلف الكواليس فدائما ما يحدث التسقيط والمناكفات بالسر والعلانية ومن خلال وسائل الاعلام، بطبيعة الحال ما حدث وما يحدث إن دلَّ على شيء فإنه يدل على عدم احترام هذه المؤسسة المهمة، التي تعتبر صوت المواطن والتي من خلالها يتم تشريع القوانين التي تخدم مصالح الوطن والمواطن، وعليه إن مشاريع الاصلاح للنظام السياسي في العراق تواجه تحديات وعراقيل كثيرة، ومن اهم العراقيل هو الصراع المحتدم، الذي يؤطر المشهد السياسي وبالتالي صعوبة الوصول إلى حل، وبالتالي فإن المواطن هو الضحية مما يجري فهو بذلك رهين العملية الديمقراطية، التي امن بها من خلال صوته
الذي ادلاه في صندوق الاقتراع وبين الصراعات والتجاذبات الجارية.