الفجر الكوني.. كيف تكونت المجرّات الأولى؟

علوم وتكنلوجيا 2024/07/01
...

 باريس: أ ف ب


لاحظ علماء فلك عناقيد نجميَّة في الكون كثيفة للغاية لدرجة أنَّ كتلتها وضوءها لعبا دوراً رئيسياً في تطوّر مجرتها عند الفجر الكوني، على ما أظهرت دراسة نشرتها مجلة «نيتشر».

وتقول الأستاذة في قسم علم الفلك في جامعة ستوكهولم أنجيلا أدامو «إنه أمرٌ مثيرٌ للإعجاب، فنحن لا نرى شيئاً كهذا في الكون المحلي» المعاصر.


خصائص لافتة

وحددت الدراسة التي أجرتها أدامو مع فريقٍ دوليٍ خمسَ مجموعات أولية كروية ذات خصائص لافتة، في مجرة قزمة من العصور المبكرة للكون، بعد 460 مليون سنة من الانفجار الكبير.

واكتُشفت مجموعة «Cosmic Gems Arc” (قوس الجواهر الكونية) عام 2018 من خلال صور التقطتها تلسكوب “هابل” الفضائي، وهي الأبعد التي تُرصد على الإطلاق، إذ تبعد أكثر من 13,2 مليار سنة ضوئية، في أوج ما يسمى بعصر إعادة التأيّن، عندما يضيء النشاط المكثف للنجوم والمجرات الأولى الكون.

وهذا الفجر الكوني هو أحد المجالات التي يحاول سبر أغوارها تلسكوب جيمس ويب الفضائي الجديد، الذي يتمتع بقدرة رصد أكثر حدّة من هابل. 

فحين كان الأخير يرصد ما عدّه قوساً خافتاً من الضوء الأحمر، كان التلسكوب جيمس ويب يكشف عن “مجرة صغيرة جداً، بها عناقيد نجميَّة صغيرة جداً بداخلها”، وفق أدامو.

وتوضح أديلايد كلايسنس، الباحثة في مرحلة ما بعد الدكتوراه في قسم علم الفلك في ستوكهولم، وهي من الموقعين على الدراسة “هذه أول مرة يمكننا فيها رصد هذا النوع من الأجسام على هذه المسافة”، وبالتالي بهذا العمر الكبير.

وتشير إلى أنَّ هذه الملاحظة يجب أنْ تساعدَ في فهم “تكوين العناقيد النجميَّة التي لا نزال نلاحظها في الكون القريب، والتي أصبحت قديمة جداً، وتأثيرها في تكوين

المجرات”.

«مليون نجمة»

وتوضح أدامو «في مجرتنا درب التبانة نرى نحو 170 عنقوداً كروياً، لكن كان هناك الآلاف منها»، قبل أنْ تتفرق أو تتفكك بسبب توسع المجرة. 

لكنْ بشكل رئيس، فإنَّ الأجسام التي صمدت داخل قرص درب التبانة لا تزن كثيراً، إذ إنَّ كتلتها «ضئيلة» مقارنة بالنجوم التي تسكنها.

وعلى العكس من ذلك، فإنَّ العناقيد النجميَّة الخمسة التي رُصدت في Cosmic Gems Arc لها ثقل حقيقي، وتمثل معاً نحو 30 % من كتلة المجرة، “وهذا يخبرنا أنَّ الكون كان مختلفاً تماماً” في ذلك الوقت، بحسب عالمة الفلك.

مجموعة العناقيد النجمية الكثيفة للغاية هذه، تتركز في قطر صغير جداً، أي أقل من السنوات الضوئية الأربع التي تفصل تقريباً شمسنا عن أقرب نجم لها، “بروكسيما سنتوري”.

وتقول أدامو “تخيلوا أن هناك مليون نجم” في هذا الفضاء. وتبلغ كتلة هذه المجموعة التي تضم نجوماً ضخمة، ما بين خمسة آلاف إلى عشرة آلاف مرة كتلة الشمس، وفق دراسة حديثة أجرتها جامعة جنيف. وتوضح أدامو “نعلم أن هذه النجوم الضخمة تنتج الكثير من الإشعاع”، وأنها بذلك “تؤثر على الطريقة التي تشكل بها المجرات النجوم وكيفية توزيع الغاز حول المجرات”.

وبالطريقة عينها، كوّنت هذه النجوم الضخمة جداً، في نهاية حياتها القصيرة، ثقوباً سوداء، يمكن أن يكون بعضها أجساماً فائقة الكتلة موجودة اليوم في قلب مجرات عدة.


نافذة على نشأة المجرات

وتفتح هذه الملاحظات «ما يشبه النافذة» على نشأة المجرات، وفق علماء الفلك المشاركين في الدراسة. ولمعرفة المزيد، سيكون من الضروري العثور على مجموعات كرويَّة أخرى في المستقبل عائدة إلى وقت الفجر الكوني، للتمكن من دراستها بمزيد من التفصيل.

و»سيساعد جيمس ويب في العثور على بعضها»، وفق أدامو، لكن علماء الفلك ينتظرون وصول ELT - Extremely Large Telescope (التلسكوب الكبير جداً) من المرصد الأوروبي الجنوبي “للمساعدة في فهم العمليات الفيزيائية التي تحدث في هذه المجرات”.

ويتطلب ذلك “خمس سنوات أخرى من الانتظار”، قبل أنْ نفهمَ بشكلٍ أفضل ما كان يحدث منذ أكثر من 13,2 مليار سنة.