مطيرجية

ثقافة شعبية 2024/07/04
...

كاظم غيلان

 ولع الإنسان باهتماماته الجمالية دليل رقي روحه، ولعل في تربية الطيور بمختلف صنوفها، سواء تلك التي يتخذ منها زينة لبيته أو محل عمله ما يشير لجوهر ذلك الاهتمام. ولعلنا نتذكر سنوات الشؤم التي مرت بنا جراء احتقانات طائفية، سمحت للإرهاب باختراقنا وكيف حصلت تفجيرات لأمكنة تربطنا بها علاقة من الحب والجمال والمعرفة، كما حصل لـ(شارع المتنبي ) و(سوق الغزل) المعني بعرض وبيع الطيور والحيوانات الأليفة، مع أن هولاكو أقدم من قبل  على حرق وهدم  الأخير وأعني ( سوق الغزل) حسب مرويات التاريخ.
إلا أن تتخذ من الطيور مهنة تتعدى حدود الاهتمام، لتتشكل شريحة ينظر لها بازدراء فذلك أمر آخر يخرج عن حدود الجمال في الاهتمام الذي أشرت له.
(المطيرجي)  لا سيما في احيائنا الشعبية محط انتقاد ضارب في القدم لما يراه مجتمعنا، ولقد منع القانون العثماني شهادته في المحاكم وأبقى الحاكم الإنكليزي ذلك في الخمسينيات، ولا أدري أن ألغي ذلك أم ما زال ساري المفعول.  وللمطيرجية تجمعات ومقاه وأسواق، بل وحتى مفردات لغة مشتركة ورهانات بمبالغ طائلة وتقاليد متفق عليها، وضمن الإطار الأخلاقي يرى في شخصية المطيرجي شذوذا عن قيم المجتمع كمصدر إزعاج بتواجده شبه الدائم على سطح الدار وصفاراته، التي لا تنقطع وصياحه بصوت عال، لربما تتخلله بضع كلمات غير مؤدبة.
كما يذكر ببعض الأغاني والأشعار الساخرة لربما نتذكر ما يتردد في غناء المربعات البغدادية إذ جاء بواحد منها:
( الطير كرخي..للرصافه شجابه؟).
لست مع النظرة تلك ونحن في عصر غير ذلك الذي يسمح بالتعسف والقسوة اذا ماعرفنا بأن تلك الشريحة، خضعت لتهذب وأخذت تغيرات كثيرة في ممارساتها مع بقاء نسبة على رثاثتها.
صفارات المطيرجي الشاذة هي التي نبهتني على هذه الكتابة، وأنا أحضر لفعاليتين متباعدتين لشعر العامية، دعيت لهما من بعض أصدقاء أحترمهم فما ان يبدأ شاعر له معجبون بقراءة قصيدته، حتى يبدأ التصفيق والمطالبة بإعادة بعض أبيات قصيدته، تتخللها إطلاق صفارات لا تعيدني إلا لممارسات المطيرجية، مما يضطرني للمغادرة المصحوبة بالندم على تلبيتي الدعوة، وعرفت بأنها غدت حالة مألوفة في معظم فعاليات تقيمها العديد من روابط وجمعيات ومنتديات معنية بشعر العامية العراقية، دون أن يضع القائمون على إدارتها حدا صارما لها بوصفها ظاهرة شاذة جدا، تشير لخراب ولا أقول تدني الذائقة، مما يثير شكوكا كثيرة في ان التشجيع على وجود هكذا نماذج يقع في حسابات الرصيد الانتخابي ولن استغرب منح هويات  لهكذا توافه وعضوية في بعض هذه المنتديات، التي تطالب الجهات المسؤولة في قطاع الثقافة الرسمية بتوفير مقرات لها أسوة بمتظمات الثقافة والفن، بل ولن استغرب ادراج أسماء العديد من مقلدي المطيرجية بقوائم المنحة السنوية، التي شملت الحكومة بها قطاعات الصحافة والأدب والفن  عملا بمبدأ مساواة( الكرعه وأم كصيبة).
للقائمين على هذه المنتديات والاتحادات أقول: هذا شعر العامية الذي تدفق منه الغناء، الذي يسكن وجدان الناس فلا تذبحوه قربانا لأجل زعامتكم، ولا تنتقدوا من يرتكب الفساد وقد افسدتم الذائقة، وليكن رصيدكم الجمال والإبداع وليس صفارات (المطيرجية).