مدن بلا قطط

ولد وبنت 2024/07/08
...

  عواطف مدلول

لم تكن من عشاق القطط  لدرجة الهوس مثل هؤلاء الذين يقدسون ذلك الكائن، ويرتبطون معه بصلات ودية قوية تكاد تفوق علاقتهم بالبشر من حولهم، فيضعونه ضمن أولويات يومهم وأهم تفاصيله، لكنها سبق وإن قرأت عنه في كثير من المواضيع التي تناولت معنى تواجد ذلك الحيوان الأليف بالمكان، ووصفته بأنه من العلامات والدلائل التي تبشر بالخير، فتغير النفسية البشرية المثقلة بالمعاناة، لأنها تسهم بسحب الطاقة السلبية وتخفف التوتر والقلق.

لذلك تحرص دائماً ألا تمنع القطط من الجلوس بعتبة الباب فهي تتفاءل كثيراً بسيرها نحو دارها، والالتفاف حول أصص النباتات التي تزين واجهتها، إلا أنها ترفض دخولها إلى البيت والتجول أو التنقل في غرفه وممراته والعبث بأثاثه، لكونها محملة بالجراثيم والميكروبات التي تأخذها من الشوارع المليئة بالأوساخ، ولا ترغب أن تلمسها أو تقترب منها، حتى وإن أظهرت تعاطفها معها وقامت بممازحتها وتدليلها أحياناً، واختيار التسميات اللطيفة لمناداتها بها، ومع ذلك عملت على تخصيص مساحة كافية لها أسفل السلم الخارجي تحتمي بها كمظلة في أيام البرد القاسية بالشتاء وتقيها لهيب الحر في الصيف، وضعت فيها إناء للماء النظيف للشرب وآخر لبقايا الطعام الذي صارت تداوم على تقديمه لها، مع بعض الوجبات المعدة من قبلها وبشكل منتظم، خصوصاً أن إحدى القطط جذبتها وتأقلمت معها فدفعتها لبذل أقصى جهدها لتوفير الأمان لها، إلى جانب لجوئها إلى الاهتمام بشراء بعض المنتجات الخاصة بالقطط من تطبيقات ومنصات التسوق الالكتروني التي تعتمد عليها بالتبضع.  
خلال فترة سفرها إلى أحد البلدان داهمتها مشاعر الاشتياق والحنين، لتلك المواقف الطريفة التي حصلت معها أثناء محاولاتها العديدة لمطاردة قطتها، والصراخ عليها كلما حاولت التسلل إلى مطبخ الدار لأنها تخشى أن تنقل لها الأوبئة من الخارج،  وقد فكرت لمرات عديدة باصطحابها للعيادة البيطرية الواقعة بالشارع العام المؤدي لمنزلها، وتراجعت عن تلك الخطوة حيث لم تجد نفسها على استعداد لتحمل مسؤولية رعاية أي حيوان بالوقت الحالي، لا سيما أنها تعيش حالة سفر دائم، بالاضافة إلى أن أسرتها ترفض أن يمكث بينها أي حيوان تجنباً للأمراض وأسباب أخرى.  
من المفارقات التي لفتت انتباهها مؤخراً بتلك المدينة التي تزورها لأول مرة، إنها تكاد تكون خالية من القطط، فتقصدت البحث عنها في الطرق التي تمر عليها ولم ترَ أي أثر لها، باستثناء القطة التي تفاجأت بمنظرها حينما شاهدتها صدفة هزيلة قذرة لا أحد يقبل عليها، فاستوقفها بدهشة وتعجب حيث تخيل لها وكأنها لم تر ذلك الحيوان منذ مدة طويلة، تعمدت توجيه السؤال عن تلك الظاهرة للناس الذين تعرفت عليهم، الغالبية أشاروا إلى تواجدها بنطاق ضيق بحدود بعض الأحياء المرفهة التي ترمي في قمامتها ما يطفئ حاجة ذلك الحيوان وينهي جوعه، وتبعاً لذلك اكتشفت أن القطط يمكن أن تكون مقياساً دقيقاً لمعرفة مدى قسوة الفقر وحالة العوز الذي تواجهها بعض الدول، أو انعكاساً واضحاً للازدهار والانتعاش الذي تنعم به دول أخرى.  
شعرت بالفرق الشاسع عندما تذكرت سفراتها السابقة إلى بعض العواصم وبالذات اسطنبول، التي أضحت تسمى في السنوات الأخيرة بمدينة القطط، لانتشارها الكثيف في معظم الأنحاء هناك كملاجئ دافئة، وقد باتت تعد من الملامح البارزة  للكثير من المناطق الحيوية التي تستقطب السياح والزوار إليها، وتقام حملات توعوية وصحية كبيرة بين آونة وأخرى من أجل الحفاظ عليها وحمايتها، فالمجتمع صار مرتبطاً بها روحياً بحيث لا يجرؤ على الإساءة إليها، ويعاملها باحسان تام متبعاً أساليب خاصة تمنحها المزيد من الحرية والحب والراحة، وبالتالي فـإن التفاعل والألفة معها بتلك الطريقة المميزة أضفيا على المدينة أجواء استثنائية فريدة.