بشير خزعل
أخذ الحسين «ع» على عاتقه مصير الروح الإسلاميَّة، وقتل في سبيل العدل بكربلاء، وقدم أبلغ شهادة في تاريخ الإنسانيَّة وارتفع بمأساته إلى مستوى البطولة الفذة. ما أروع الحسين «ع» في نفسه وروحه، يتلقط بكل حدثٍ من الأحداث التي دارت بها أيامه، ليصوغ من احتكاكها الشرارة التي تتدفأ بها ضلوع الأمة وهي تمشي دروبها في ليالي الصقيع، سبط النبي الأكرم وإمام الأمة الذي استشهد من أجل دين الله والدفاع عن حقوق عباده، ثار الحسين «ع» على كل هذا التحول الرجعي الذي حدث في حياة الأمة وأراد إصلاحها بإيقاظ روح التضحية والنضال في أعماقها وإعادة الثقة بنفسها.
أحد أصحاب الكساء
تولّى أبو عبد الله أمر الإمام بعد استشهاد أخيه الإمام الحسن (ع) لأحد عشر عاماً حتى استشهاده في واقعة الطف يوم العاشر من محرم سنة 61 هـ. وهو ثاني أبناء الإمام علي (ع) وفاطمة الزهراء «ع»، كما أنه السبط الثاني للنبي محمد (ص) أسماه النبي (ص) حسيناً بعد ولادته، وأخبر أنه سوف يُقتل على يد مجموعة من أمته. وكان النبي (ص) يحب الحسن والحسين (ع) حباً شديداً، ويدعو الآخرين لحبهما أيضاً. ويُعدّ الحسين (ع) أحد أصحاب الكساء الذين نزلت في حقهم آية التطهير وآية المباهلة. ووردت رواياتٌ كثيرة عن جدّه (ص) في فضله (ع)، منها: (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنّة)، (الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة).
في العقود الثلاثة التي تلت وفاة النبي (ص) لم يذكر إلا القليل من سيرة الحسين (ع)، فكان سنداً لأبيه أمير المؤمنين (ع) حينما تولّى الخلافة، وشارك في جميع مشاهد تلك الحقبة.
صلح معاوية
وقف الإمام الحسين «ع» مسانداً لأخيه الحسن «ع» في الصلح مع معاوية. وبعد استشهاد الحسن «ع» بقي ملتزماً بالصلح، ولذلك عندما راسله شيعته وأظهروا استعدادهم في مساندته كإمامٍ لهم للقيام بوجه حكومة بني أميَّة دعاهم بالصبر والتريّث لحين موت معاوية.
وقد تزامن عهد إمامة الحسين بن علي (ع) مع حكومة معاوية. وبناءً على ما ورد في المصادر، فإنّ الإمام الحسين (ع) كان له موقفٌ معارضٌ لحكم معاوية، فمنه توجيه رسالة تدين معاوية على قتل حُجر بن عَدِي، كما أنه (ع) في مُجريات مساعي معاوية لاستخلاف ولده يزيد استنكر ذلك على معاوية وأبى مبايعته، ففي مجلس حضره معاوية وآخرون، عارض فيه علانيَّة بيعة يزيد وبيّن بعض صفات يزيد التي تدلّ على فسقه وانغماسه في الملذّات، وأكّد للحاضرين مكانته وحقه (ع) بالخلافة والإمامة. ومن أهم المواقف السياسيَّة المعارضة للسلطة الحاكمة هي الخطبة التي ألقاها الإمام (ع) في منى.
بقي الحسين (ع) على موقفه الرافض لبيعة يزيد حتى بعد هلاك معاوية وعدَّها غير شرعيَّة، فبعدما أصدر يزيد أمراً بأخذ البيعة من الحسين (ع) وقتله في حال امتناعه عنها، خرج الحسين (ع) مع أهل بيته من المدينة في اليوم الـ28 من رجب سنة 60 هـ متجهاً إلى مكة.
في فترة إقامته بمكة تسلَّمَ رسائل كثيرة من أهل الكوفة تدعوه الى القدوم إليهم حتى يبايعوه وأنْ يسمعوا له ويطيعوه، فأرسل لهم ابن عمه مسلم بن عقيل «ع» سفيراً عنه ليعرف مدى مصداقيَّة دعواتهم له، فلما أرسل مسلم رسالة يخبر الإمام الحسين (ع) بصدق دعوات الكوفيين والبيعة له غادر الحسين (ع) مكّة متّجهاً إلى الكوفة في الـ8 من ذي الحجة وذلك قبل أنْ يطّلع على نبأ نكث الكوفيين عهودهم واستشهاد مسلم بن عقيل «ع» على يد عبيد الله بن زياد.
غدر ابن زياد
كان ابن زياد والياً على الكوفة عندما كان الحسين (ع) قادماً إليها، فلما وصل هذا الخبر إلى ابن زياد أمر بجيشٍ يمنع الحسين (ع) عن مسيرة تقدمه نحو الكوفة، فأجبر الحرّ بن يزيد - وهو على رأس ألف فارس - الحسين (ع) أنْ يعدل عن الطريق، ثم النزول بأرض كربلاء، فلمّا تجمّعت الجيوش بقيادة عمر بن سعد محاصرة ركب الحسين (ع) دارت حربٌ غير متكافئة في يوم عاشوراء بين معسكر الحسين (ع) (72 رجلاً) وجيش ابن سعد، الامر الذي أدّى إلى استشهاد الحسين (ع) وأصحابه جميعاً. ثم أُخذت النساء والأطفال ومعهم الإمام السجاد (ع) الذي كان وقتها مريضاً سبايا، وأرسلوا إلى الكوفة ومنها إلى الشام. وبقيت أجساد الشهداء على صعيد الأرض حتى دفنهم بنو أسد في 11 أو على رواية في 13 من محرم.
أثر استشهاده
اختلفت الآراء بشأن ما قام به الإمام الحسين (ع) في حركته من المدينة إلى كربلاء؛ أكانت هي مسعى لتشكيل الحكومة أم كانت مبادرة لحفظ النفس من الغيلة والقتل؟ فاستشهاد الحسين بن علي (ع) ترك أثراً عميقاً في نفوس المسلمين والشيعة بالخصوص، واستلهمت من حركة الحسين (ع) حركات مناهضة للسلطة ما أدى إلى توالي الثورات ضد الحكومة والسلطات الحاكمة المتعاقبة.
تأسّت الشيعة بأئمتهم في إحياء ذكرى الحسين (ع) والاهتمام به، وذلك بإقامة مجالس العزاء، لا سيما في شهري محرم وصفر. وتحظى زيارة الإمام الحسين (ع) في روايات المعصومين عليهم السلام بالتأكيد البالغ، حيث صار مرقده مزاراً على مدار السنة.