تصوّرات سايكولوجيَّة كلاسيكيَّة

منصة 2024/07/11
...

 ضرغام عباس


عند الحديث عن مصطلح سايكولوجيا وحده يكون الأمر ضبابيًّا تمامًا، أما عند ربطه بالجماهير والفرد معًا يتلاشى الضباب كليًا. 

لماذا يتلاشى الضباب إذن؟

لماذا الفرد، لماذا الجماهير؟

في علم النفس البدائي، وانبثاق مصطلح سايكولوجيا الذي يعني بدوره العلم الذي يدرس الوظائف العقلية والسلوك للإنسان، ومدى الترابط بين الفرد والمجتمع من حيث العاطفة والسلوك والإدراك.

لكن، هل الوظائف العقلية التي تنطبق على الفرد مثلها على الجماهير؟ 

هل السلوك واحد؟

في الفلسفة اليونانية القديمة كان هناك مبدأ ثابت وهو الفرد إلى الفرد والفرد إلى العائلة والفرد إلى المجتمع، أي الفرد بوصفه شخصًا واحدًا هل يتأثر جسده الخارجي بما يمليه عليه عقله الباطني، وكذلك إلى العائلة والمجتمع من حيث التأثر والمفاهيم التي يتم طرحها، هل تتوافق كليًا مع المحيط الخارجي، هل تتجاوب؟

بمفهوم عبد الفتاح كيليطو للأدب يقول: على الأديب أن يتقن فن الخطابة ويدمج ما بين الغرابة والألفة حتى يضمن اصغاء الجمهور. 

وهذا الأمر ينطبق كليًا على الفرد بوصفه راعيًا أمام قطيع الجماهير. 

وكذلك حسب مفهوم ديستويفسكي الذي قال بدوره: "مثلما هنالك فرد خارق وفرد مبتكر وفرد عادي، هنالك جماهير خارقة وجماهير مبتكرة وجماهير عادية".

الفرد لا يعتمد في أفكاره على الجماهير، بينما الجماهير لا تتحرك إذا ما دقَّ لها الراعي جرس الانطلاق.

نابليون بونابرت آمنت بثورته فرنسا بأجمعها وهو كان على خطى أسلافه، ما هو سبب كل هذا الإيمان إذن؟ إذا راجعنا حياة نابليون، نجد أنَّ الأداة الأولى التي كانت قانونه الأول هي القتل ونشر الخوف بين الجماهير حتّى تسلّم له بالطاعة المطلقة. 

وحسب تعريف فرويد للوعيّ واللاوعي، يقول: عشرة بالمئة من أعمال الفرد تتكون من وعيه الخاص أما النسبة المتبقية فهي اللاوعي. 

وبهذا يكون مسلّمًا تمامًا لما تملي عليه البيئة والمحيط، كمثل جبل الجليد لا يظهر منه سوى الرأس أما باقي أجزائه فهي في الأعماق.

إذن الرأس هو الوعي وباقي الأجزاء هي اللاوعي، وإذا أردنا تطبيق نظرية فرويد على سايكولوجية الجماهير - الفرد، بمختصر شديد نقول: أن الرأس هو الشخص الخارق الذي تكلم عنه فريدريك نيتشه، أي هو الطرف الواعي الذي ينظر للأشياء نظرة عقلانية، أما باقي أجزاء الجليد المغمورة في الأعماق هي الجماهير التي لا تعي شيئا مما تفعل لأن طابع اللاوعي مهمين عليها.

إذا رجعنا قليلا إلى أول البدء، الى الشخص الأول - المبتكر، إلى الرأس إلى الوعي، نجده هو بحد ذاته خاضع بدوره إلى ما تمليه عليه البيئة أيضًا إلى ما يمليه الغيب - الماورائيات. 

وبهذا تكون الجماهير تابعة لشخص هو تابع أيضًا لكنه فهم اللعبة وفهم متطلبات الجماهير العاطفية والشريرة، وبهذا الفهم صنع من الجبان شخصًا شجاعًا ومن البخيل كريمًا ومن الشكّاك مؤمنًا ومن الشريف مجرمًا، صنع جمهورًا يقتفي أثر غرائزه مثلما يقتفي الراعي مخلفات القطيع إذ غاب عن الأنظار.

تنقسم الجماهير قسمين منها: المعتدلة ومنها الفوضوية والمتوحشة، كذلك الفرد منه المستقل ومنه التابع، وبنظري كلاهما توابع، الأول تابع لعدة أمور منها الغيبات - الماورائيات وقانون الطبيعة، والثاني هو حلقة من سلسلة لانهائية وظيفتها تلقي الأوامر. 

وأيضا لا يمكن الجزم بأن الجماهير المتوحشة والفوضوية هي دائما جماهير خاسرة، فهناك جماهير قد صنعت المجد من خلال فوضويتها في الانبثاق الأول وهذا ما ينطبق على جماهير العقائد الدينية. 

الجماهير أداة ذات حدين للرأس الواعي - الرأس القائد، وهي بكلا الحالتين سكّين خطر إذا ما رقصت فوقه الأفكار بحذر، فالقائد الواعي يستخدم الجماهير كما يستخدم الطباخ ظهر السكّين لإزالة الشوائب العالقة على سطح المجتمع وخلق منطقة جديدة صافية.

وإذا ما تم غرس الأفكار بصورة صحيحة داخل رؤوس الجماهير، فسوف تتحول إلى طاعون وتنتشر كما تنتشر الإهانة في قرية صغيرة، ولا يمكن السيطرة عليها آنذاك. 

وهذا ما حدث في أفريقيا في القرن السادس العشر حينما تمت إبادة مجتمع كامل لأنَّ أفكاره كانت تشوبها الدماء.