علي رياح
لم يعد يفصلنا الكثير عن الملتقى الأولمبي العالمي الكبير في باريس، حيث ستعود الأسرة الرياضية العالمية إلى الالتقاء، وسنعود نحن العراقيين لمواكبة مشاركة ضعيفة وقاصرة ولا تلبي الطموح، ما عدا تأهل منتخبنا الأولمبي الكروي باستحقاق ومعه الرباع البطل علي عمار يسر، بعد سلسلة من التحديات الرسمية، بينما شملتنا (مَكرمة) البطاقة المَجّانية لتمنحنا فرصة الظهور الفردي في عدد محدود من الألعاب. في التفاصيل الأوسع للمشهد الأولمبي، وبعيداً عمّا يمكن أن يجنيه العراق في هذه الدورة، ينبغي التذكير بأن البارون الفرنسي بيير دي كوبيرتان أسّس الألعاب الأولمبية، لتكون أداة الرُقي بالإنسان إلى ما هو فوق مستوى الفوز وحسابات الإنجاز البدني، وكتب في مذكراته: (ستصل الدنيا بعد حين إلى القناعة بأن أي عطب يصيب مُحرك هذه الألعاب يعني اختلالاً كبيراً في النظم الحياتية التي تمسك بخيوط العلاقة بين الأمم).. وخلال كل أربع سنوات تفصل بين دورة وأخرى، كان العالم يضطر إلى تمثـّل هذه الكلمات واستحضارها.. فمع مرور الزمن، واتساع رقعة الألعاب، وتطور آلياتها، وتساقط أرقامها، كانت السياسة تطلُّ برأسها، من بعيد أو على نحو سافر في الكثير من المنعطفات الزمنية.. حتى بات مهماً أن نتذكر كلمات كوبيرتان الذي قرأ المشهد قبل ما يزيد كثيراً على قرن.. ففي البدء كانت هنالك لغة من الانسجام والتناغم حين انطلقت الدورات في أثينا، إذ كان الهمُّ محصوراً في التمويل والتنقل، لكن الحروب وتخندقات السياسة، صارت تتهدّد مصائر الكثير من الرياضيين الأبطال والهواة على حد سواء خلال فترات التحضير لأية دورة..
وما سبق (نسخة) باريس 2024 لا يخرج عن هذا الإطار.. فلعلنا نتذكر تلك الأحداث الجسام التي سبقت أو رافقت الدورات الأولمبية، والتي توجت بأسلحة المقاطعة يوم كان المعسكران الاشتراكي والرأسمالي يقتسمان أنصبة المشاركة، خصوصاً خلال العقدين السبعيني والثمانيني، وقد تجلى ذلك في أحداث ميونخ 1972 ومونتريال 1976 وموسكو 1980 ولوس أنجلس 1984 وسول 1988، بل وحتى في برشلونة 1992.. واضح أن التفاعلات السائدة في العالم والتي تحاصر الدورة المقبلة، تواجَه الآن بموجة بشرية مقابلة للوصول إلى درجة الأداء الأفضل، بينما لا يجد الفرنسيون بأساً في الاعتراف بما يتركه هذا العامل على اتجاهات الدورة، لكنهم يرون ما هو أبعد من ذلك.. إنهم ينظرون إلى تحديات الطبيعة، ومنها ما يتعلق بتنظيم وإخراج حفل الافتتاح في نهر السين، خطراً قد يتهدّد المنظمين، فلا بدّ من خطط طوارئ بديلة تراعي حالة الطقس. وهكذا تدخل دورة باريس رهان الطبيعة والإنجاز.. وهو ما يعيدنا بالضرورة إلى حديث البارون الفرنسي مؤسس الألعاب الأولمبية الحديثة عن أشكال مختلفة للتحدي، منها ما هو عسكري، وأغلبها ما يتصل بالسياسة، وبعضها ما يقع تحت وطأة الطبيعة.. لكن الرياضة تثبت في كل مرة أنها التحدي الإنساني المتعاظم بعينه.. فلقد مرّت الألعاب الأولمبية من قبل بظروف عصيبة، وكانت السفينة الأولمبية تمخر العباب بنجاح.. أما آمالنا وهواجسنا نحن العراقيين في دورة باريس 2024، فهي كما هو شأنها عبر الزمن، لا تسعى نحو هدف كبير في ظل مشاركة محدودة لا تحمل كثيراً من الطموح، كنتيجة منطقية لما ورثناه من فوضى في الرياضة عبر عقود من الزمن.