ذو الفقار يوسف
في عتمة الروح، قال القلب: نحن الآن في قمم البوح، تغطس الحدقات في جوف العتمة، لينبثق من جوفها القمر، إذ لا شيء في سماء التضحيات سيمر، فقط هو، منير يحمل على رأسه ريشتين تغازلان، فقطعاً لم يكن أسطورة فقط، إنه حامل لواء الحسين عليه السلام، رمز الإباء والإخاء.
وبالرغم من استشهاد العباس عليه السلام، ومع كل هذه المصيبة، آثر أن يترك فينا كما آل البيت عليهم السلام حقباً من المعارف والحكم، أن يجود صاحب الجود والكرم بتضحيته ليخلق لنا تعاليم لا تدرس إلا في مدرسة الكبرياء، كيف لا وهو أخو الحسين الشهيد وابن علي المرتضى عليهما السلام.
السند
وبينما نخوض في أصالة هذا الإمام، يحاول عباس الخفاجي (34 عاماً) أن يصف ما يجول بخاطره كلما تذكر العباس عليه السلام، فهو بالنسبة له رمز الإخاء الذي يتمناه كل فرد، فيقول: "إنه العباس، قطيع الكفين، ذلك الأخ الذي رفض الخنوع للظلام، وحمل راية أخيه الحسين الشهيد، أتذكره في كل شدة، عندما يحتاجني الأخ والصديق لأكون كما إمامي وقدوتي".ويضيف الخفاجي، أن "كل من استشهد في معركة الطف، أعطانا ألف رسالة ورسالة، علمنا أن نخوض في هذه الدنيا كما أرادنا الله، وها هو قمر بني هاشم عليه السلام، لا يزال يعلمنا كل عام، كل ما مرت أيام عاشوراء، أن نقف أمام الظلم متسلحين بالإخاء وطلب الحق، فالعباس أرادنا أن نكون ذلك السند الذي يريده الأخ من أخيه، ومن عرف قطيع الكفين، صار كذلك".
الماء عندما يشرب العطش
وقطعاً كان أبو الفضل كريماً في رسائله إلينا، تلك التي خضبت بدمه الطاهر، فبعد أن علمنا الإخاء، زاد بعد ذلك بالحكمة، تلك التي يتعلم من خلالها البشر كيف لهم أن يلجموا النفس، فها هو السيد علي الموسوي (54 عاماً) يؤكد لنا أن" الإمام العباس عليه السلام وحينما كان يحمل الماء في راحتيه، حاور النفس وهي في قمة احتياجها لما يجعل الجسد يستمر في العيش، وهو أكثر ما يحتاجه البشر أجمع في هذا العالم، وبالرغم من ذلك حارب تلك الرغبة وهو يقول: يا نفس من بعد الحسين
هوني".
ويبين الموسوي، أن "محبي آل البيت الأطهار تيقنوا بكل الأشياء التي يرتبط بها الماء بالعباس عليه السلام، فمن النهر إلى القربة، حتى قطرات الماء التي تنزل من السماء، كانت كلها تقرب ذلك الإمام الشهيد."
قوة القسم وقسم القوة
وبينما تكثر كل عوامل الرحمة والإنسانية في هذا الإمام الكريم، يأتي محبوه من كل حدب وصوب ليلاقوا إمامهم، بأرواحهم عند مرقده الشريف، فهم يعلمون جيداً بأن ها هنا تتحقق الأمنيات، ويأخذ كل ذي حق حقه، ويذل كل من ظلم، هو نور قد امتزج بالقوة. تحدثنا الحاجة أم محمد (61 عاماً) وتنعكس تلك القباب المشعة في حدقاتها، مبينة، أن "كلما أقسمت بحق العباس عند الله، تحققت أمنيتي، ولبي طلبي، ولا أرد خائبة، وكما أنا هناك آلاف من الأحلام التي حققت قرب مرقده الشريف".
توضح أم محمد، أن "مصيبة آل البيت في كربلاء جعلتنا إنسانيين بتعاملاتنا مع البشر، فلا نظلم أحداً، ونحاول قدر استطاعتنا أن نكون أوفياء في التزاماتنا ووعودنا، فهم أن علمونا القوة جعلونا نرأف بكل ضعيف، وأن نعطي أكثر مما نأخذ، فمن أين نتعلم ذلك إذا لم نتعلمه من الذي ضحى بكفيه من أجل صلاح البشرية".
حبيب الحسين
وكلما مرت بنا هذه الأيام، توسط في قلوبنا العديد من الأوصاف التي تطلق فوران المشاعر، نرى القمر فنتذكر قمر بني هاشم وقد انبثق شعاع الملائكة من وجهه الزكي، الرايات أيضاً، وهي معلقة لترفرف وقد خطت عليها أسماء شهداء الطف، إلا أن الشاب عباس حسين (26 عاما)، غرد بصوت مشاعره نحو ذلك الحبيب وقال: يبهرني كلما تذكرت علاقة العباس بأخيه الحسين عليهما السلام، فأصل إلى حدود البكاء ولكن بهدوء وألفة لا أعهدها إلا عند التفكير بهذين الامامين، كان حامل لوائه، وكفيله، ومات عطشاً لأجله، سنده ومسانده، فنعم الأخ".
يتابع حسين، أن" الحب الذي رافق الامامين عليهما السلام ليس بشرياً، كأنهما قد ارتبطا بروح واحدة، يحاور أخاه بلا فم وصوت، يسمعه الحسين عليه السلام بقلبه، كان ذلك الرابط الإعجازي هو ما يشغلني دائماً، العناق عند الوداع، ويقين اللقاء بعد ذلك، حتى أن الدماء في مخيلتي ليست كما نراها، كانت كخليط من المشاعر، وكلما وصلت لحدود المعرفة في هذا الحب، تيقنت، بأن للحسين حبيباً، وكان هذا الحبيب قمراً لم يختف من سماء إمامنا الحسين الشهيد."