سرور العلي
يقف الطفل جعفر علي أمام خيمة صغيرة نصبها بالقرب من منزله، وهو يعد كؤوس العصير البارد للمارة، وبالقرب منه يقوم شقيقه حسن بتوزيع الكعك، ويتكرر هذا المشهد كثيراً في عاشوراء، إذ يشارك مئات الأطفال في إحياء تلك الطقوس، والمساهمة مع أسرهم في خدمة الزوار، وتعد مهمة كبيرة لنقل هذه التقاليد من جيل إلى جيل.
يقول فراس الشويلي، والد لطفلين: "من المهم جداً أن يشارك الأطفال في هذا الطقس السنوي، ولكي يتعرفوا على مبادئ ثورة الإمام الحسين (عليه السلام)، ويتعلموا العطاء وتقديم المساعدة للآخرين، ونشر الخير والقيام بواجب الضيافة".
ثياب وشعارات عاشوراء
ويرتدي معظم الصغار في هذا الشهر ثياب الحزن والحداد، وغالباً ما يضعون على جبينهم عبارات مثل "يا حسين"، و"يا أم البنين"، و"يا قمر بني هاشم"، والتي تعد بمثابة مواساة لفواجع آل البيت (عليهم السلام)، ودأب كثيرون منهم على إقامة السرادق الصغيرة، وتقديم أنواع مختلفة من الأطعمة والمشروبات.
يقول محمد فاضل (12 عاماً)،: "وفي كل سنة أقوم مع أقراني بالعديد من النشاطات، ومنها المساهمة في توزيع وجبات الطعام بين الزائرين، والذهاب إلى مواكب العزاء ورفع الرايات".
ويشارك الطفل أكرم قاسم والده في الموكب الذي يديره، باستقبال الزوار وتهيئة أجواء مناسبة لهم، وتوزيع الماء والشاي والعصائر.
ولم يقتصر الأمر على ذلك فحسب، بل تصطحب النساء أطفالهن الرضع، وهم متشحون بالثياب البيضاء والخضراء، لإحياء فاجعة مقتل الطفل عبد الله الرضيع (عليه السلام)، وعادة ما تنصب المهود، وتجلس النساء بالقرب منها، لطلب الشفاعة والأجر والثواب، ويعد ذلك تقليداً يقام سنوياً.
وأكدت أم حسن: "يسهم أطفالي الثلاثة كل عام في التشابيه الشعبية التي تقام في منطقتنا، وسط مأتم كبير يحضره الكثير من السكان، لإحياء ذكرى استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام)، ويؤدون هناك دور الأيتام في موكب ضخم مع النسوة والسبايا، وسيستمرون بإحياء هذه المسيرة الزكية".
تشجيع
وتوضح التربوية شيماء محمد: "تكمن أهمية مشاركة الأطفال في تلك الطقوس في استفادتهم من دروس وسيرة الأئمة (عليهم السلام)، إذ يتعلمون الصبر والشهادة، والمحبة والخير والحكمة والعدل، وهي مبادئ سامية تهذب النفس، وتصفي القلب من الحقد، والكراهية والشر والعداوة، ويجب أن يتربى الطفل عليها، لينقلها وتتوارثها الأجيال، لذا من الضروري حثه على المشاركة في المجالس الحسينية، ومسيرات العزاء، وتشجيعه على حفظ الشعارات الحسينية، والقصائد الدينية التي تخلد الأئمة (عليهم السلام)".
مضيفة "ويتعلم الصغار أيضاً من هذا الشهر القيم العظيمة، ومنها رفض الذل والإهانة، ونصرة المظلومين، وعدم الخوف من مواجهة التحديات، وتعلم كيفية التغلب عليها، والدفاع عن النفس، والتبرع بجزء من المال، لتمويل المواكب وتوفير وجبات الطعام للزائرين، وحثهم على المساهمة في خدمتهم، والقيام بجميع أنشطة عاشوراء".
قيمٌ ومبادئ
د.عبد الكريم خليفة، باحث نفسي واجتماعي بيّن:"من المؤكد أن أجواء محرم لها أبعاد اجتماعية وخلقية ونفسية، إذ إن جميع المحاور المتعلقة بمعركة الطف من بداية خروج الإمام الحسين عليه السلام إلى استشهاده، فيها إيثار وأواصر بالعلاقات الإنسانية، من خلال حالات التضحية بالنفس من أجل الآخرين، وأيضاً تعامل الإمام العباس عليه السلام وتضحيته بنفسه من أجل أخيه، وكل هذه المعاني السامية من الممكن أن تكون للأطفال بمثابة المدرسة الصيفية، لتعلم الكثير من القيم والمبادئ والخصائص الاجتماعية، إضافة إلى أنه في عاشوراء تزداد دورات تعليم القرآن الكريم والسيرة النبوية، عن طريق المحاضرات الفقهية والتثقيفية والدينية، وكل هذه بحاجة إلى أن يعيشها أطفالنا، وأن يستمدوا الدروس والعبر من هذا الاستذكار والحوادث التاريخية المهمة بحياة المسلمين، لكي يصبح سلوكهم مطابقاً ويحاكون هذا النهج العظيم، لا سيما أن الطفل بهذا السن يحاكي الآخرين، كما تشير النظريات والدراسات إذ يتعلم من النماذج التاريخية والرموز الصالحة، ومنهم آل البيت عليهم السلام، كما أن مشاركة الأطفال بالمسرح الديني أو ما يسمى بالتشابيه، وتقديمهم الشخصيات المهمة له دور كبير بمنحهم الثقة بالنفس، ويزداد تفاعلهم في المجتمع، وتعديل سلوكهم وبناء منظومة خلقية
لهم".