علي حسين عبيد
لو أننا سألنا أنفسنا بضمير نقي، في أيِّ حاضنة تربويَّة تربّى الإمام الحسين، وكم أثرَ في حياته جدّه الرسول (ص)؟، ألا يوجد تأثير من الناحية التربويَّة للنبي في سبطه الحسين؟، وهل بالإمكان أنْ نعزل الطفل عن البيئة التي نشأ وترعرع فيها، ثم ألم يكن علي ابن أبي طالب أبًا وراعيًا للحسين، ويا ترى من هي أم الحسين، أليست هي فاطمة الزهراء بنت نبيّنا الكريم (ص)؟.
هذه الشخصيات التربويَّة العملاقة، لا بُدَّ أنها تركت بصماتها التربويَّة الخلاقة في شخصيَّة الإمام الحسين، ولذلك نجد هذا التأثير العظيم لهذه الشخصيَّة على مرِّ التاريخ، ولا يقتصر هذا التأثير الأخلاقي في المسلمين، أو في الشيعة وحدهم، بل يمتد إلى أممٍ أخرى بعضها تتديّن بأديانٍ سماويَّة أخرى، أو أديان غير سماويَّة كما حدث في التأثير القوي الذي حدث مع الزعيم الهندي العظيم (المهاتما غاندي).
لقد حملت شخصيَّة الحسين مجموعة من الخصال المتفردة، وهي في الحقيقة محصلة أخلاق وتربية جدّه الرسول (ص) وأبيه الإمام علي (ع)، وأمه فاطمة الزهراء، هذه المدارس التربويَّة العظيمة غرست أخلاقها وقيمها وأفكارها وسلوكياتها في روح الحسين وفي قلبه وعقله، لهذا كانت له تلك الرسالة العظيمة التي أثرت في محبيه وتغلغلت في أعماقهم، ألا وهي رسالة المحبة والإخاء.
فكل من تعلّق بالحسين، لا بُدَّ أنه حصل على ذلك الفيض الأخلاقي العظيم، وبات يتعامل مع الآخرين بروح المحبة العالية، وبنزعة الإخاء والتقارب والتحابّ، وكيف لا وهو ابن الإمام القائل في عهده إلى مالك الأشتر: (الناس صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق)، فيكفي في نظر علي أنْ يكون الكائن إنسانًا ليكون أخاك، وعليك أنْ تعامله وفق هذه الرؤية التي لا مجال لتسويفها، فهو إنْ لم يكن مسلمًا فهذا لا يعني أنك تتجاوز على إنسانيته وحقوقه وحريته، كلا أنت مطالَب بأنْ تؤاخيه، أي تجعل منه أخًا لك، تقرّبه وتحبه وتساعده وتُشعره بأنه أخٌ لك من خلال المحبة والإخاء.
هذه هي بالضبط واحدة من الرسائل الإيجابيَّة العديدة التي اجتمعت في شخصيَّة الحسين، وظهرت فعليًا في واقع المسلمين، عندما كان يتحرك بينهم، ويلقي عليهم بكلماته وأقواله التي لا تزال تحمل مضامينها الإنسانيَّة العظيمة، فهو القائل: (إني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برماً)، وهذه الكلمة وحدها تدلُّ على ذلك الاستعداد القاطع لرفض العيش مع الكراهية والعدوان على الآخرين، والتجاوز على حقوقهم، مثلما يتمُّ رفض الخضوع للظلم والاستبداد، الرسالة واحدة لها وجهان، رسالة المحبة والإخاء، ورسالة الاستعداد والتضحية من أجل الحياة الكريمة التي يفضل الحسين الموت في حال فقدها الإنسان.
هذه الدروس التربويَّة الأخلاقيَّة يجب ألّا تبقى كلمات نرددها في المحافل والخطابات والمقالات، ولا يجب أنْ نتفوه بها في المناسبات التي ما أن تغادرنا حتى نتناساها، إنَّها كلمات يجب أنْ تتحول إلى سلوكيات،ٍ ورسالة الإمام الحسين هذه لا بُدَّ أنْ تتحول من معانيها المجردة إلى أفعالٍ تزيد من تلاحم الناس ومن تقاربهم، ومن تشذيب وتهذيب أخلاقهم لتصبح مشابهة ومطابقة لرسالة الحسين في المحبة والإخاء.