السبب الثالث للموت

ولد وبنت 2024/07/22
...

عواطف مدلول

يفقد العراق في كل صيف عدداً من شبابه، إذ يلقون مصرعهم نتيجة حوادث الغرق التي أصبحت أحد أبرز أسباب الموت فيه، فغالباً ما يشهد هذا الموسم تغيراً كبيراً بالطقس متمثلاً بارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات قد تتجاوز نصف الغليان أي أكثر من 50 درجة مئوية، وتجتاح البلد موجة حر شديدة تبلغ ذروتها في الأشهر الثلاثة: حزيران وتموز وآب، يتزامن ذلك مع تصاعد أزمة الكهرباء، فالمعاناة من الانقطاع التام والمستمر فيها الذي ربما يمتد لساعات طويلة بالنهار، متأثرة بالظروف المناخية الساخنة التي تتطلب زيادة الاستهلاك اليومي بالطاقة من أجل تشغيل أجهزة التبريد، وبالتالي تتفاقم المشكلة عندما يحصل عجز فيها يعطل توزيعها، جراء الاستخدام الواسع لها وكثرة الأحمال عليها إلى جانب سوء خدمة تلك المنظومة، لعوامل تتعلق بشحتها وتدهور ذلك القطاع منذ
سنوات.
الخيار الأفضل الذي بات يتفق عليه معظم أولادنا كبديل آمن للتخلص من لهيب الجو الحارق، هو اللجوء للسباحة بالأنهر والبحيرات، الملاذ الذي يسهم باطفاء نار ذلك الفصل القاسي والتخفيف من وطأتها على أجسادهم ونفسياتهم، فيمارسها أغلبهم دون أن يمتلكوا مهارة وخبرة كافية بخصوصها، إلا أنهم يجازفون بالخوض فيها لغرض قضاء رحلة ممتعة بمشاركة وصحبة أصدقائهم أو برفقة ذويهم وبعض من أفراد أسرتهم، محاولين الاستجمام والترفيه لأوقات متأخرة من اليوم أحياناً، لا سيما أن المسابح المغلقة تكاد تكون قليلة في كثير من المحافظات وهي ليست مجانية ومتاحة للجميع ولا يمكن ارتيادها بسهولة.
الإقبال على تلك الهواية  أسفر عنه وقوع  خسائر بشرية وانتشار قصص الغرق بشكل مأساوي متكرر، فبين آونة وأخرى تفجع الأسر العراقية بخبر وفاة أو اختفاء أحد أبنائها، بعد أن يبتلعه نهر دجلة أوالفرات أثناء الغوص في المناطق العميقة والخطرة التي لا تتوفر فيها اجراءات السلامة، والمخاوف من تزايد تلك الحالات أضحت مصدراً للقلق والفزع لدى البعض، حتى لو تم تعزيز الأماكن التي يكون التوجه كبيراً عليها بمفارز إنقاذ، فمن الصعب السيطرة على الوضع وتنفيذ الرقابة الأمنية فيها.
ومع تنامي معدلات حصيلة الضحايا ينبغي التصدي لتلك الظاهرة الشائعة، بتنظيم حملات توعية تقدم فيها الإرشادات الوقائية والبرامج التثقيفية، للحد منها ومكافحتها والتحذير من مخاطرها، بالاضافة إلى التعريف بالأماكن الممنوعة وغير المناسبة والسعي مستقبلاً لتوفير الحماية لها، واتخاذ التدابير اللازمة لضمان تحقيق السلامة المائية وبث مشاعر الاطمئنان بين الناس.
 من جهة أخرى فإن للأهل دوراً فاعلاً أيضاً بمتابعة أبنائهم، لا سيما المراهقون، فهم يتحملون مسؤولية تعليمهم وتشجيعهم على اتقان السباحة، بالطريقة التي يسمح لهم بممارستها وفقاً لضوابط محددة، لا تخرج عن القواعد المشروطة الواجب الالتزام بها واتباعها من دون الاندفاع بمغامرات، ونشاطات ذات سلوكيات صبيانية مرفوضة، عواقبها تكون وخيمة فيما بعد.
ولأهمية تلك القضية يحتفل العالم في الخميس المقبل باليوم الدولي للوقاية من الغرق، حيث خصص له تاريخ 25 تموز من كل عام، بعد اعتبار الغرق السبب الثالث عالمياً للوفيات الناجمة عن الاصابات غير المتعمدة، وبتلك المناسبة تقام الورش والمبادرات المجتمعية بهدف مناقشة سبل تجنب الغرق، والتأكيد عليها بمعلومات جديدة وبصورة مكثفة.