سيف ضياء
هناك في أعماق التاريخ الإسلامي، تلمع حادثة كربلاء الفاجعة كنقطة تحول فارقة، تجسدت معاني الشجاعة والتضحيَّة والفداء، وفي قلب هذه الحادثة الأليمة، يبرز صوت الإمام الحسين (ع) بعبارة خالدة تلخص فلسفته في مواجهة الظلم والفساد، بصوت مدوٍ، يعلن سيد الشهداء رفضه القاطع للفساد والظلم والطغيان، ويؤكد أهميَّة المبادئ والقيم الإنسانيَّة، إذ إنَّ عبارته الشهيرة “مثلي لا يبايع مثله” تتعدى كونها مجرد قولٍ مأثورٍ ما زالت تتردد عبر الأجيال، لتتحول إلى بوصلة ومرجعٍ ومنهج حياة، وخارطة طريق واضحة المعالم لكل من يسعى لتحقيق العدل والحريَّة، دلالات عميقة في عبارة شاملة ؛ إذ عندما أطلق الإمام الحسين هذه العبارة، لم يكن يقصد بها مجرد رفض شخصي لبيعة يزيد، بل كان يعبر عن مبدأ أسمى وفلسفة سياسيَّة وأخلاقيَّة عميقة تلخصت برفض الطاعة العمياء للظالم الفاسد، ورفض التنازل عن المبادئ والقيم الإنسانيَّة. فالإمام، بصفته حفيد سيد الخلق الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، كان يرى أن البيعة التي يطلبها يزيد هي بمثابة شرعنة للانحراف عن منهج الإسلام السمح، وتأكيد على استمرار الظلم والفساد الذي كان سائداً في ذلك الوقت فالإمام الحسين، برفضه لهذه البيعة، أكد أن الظلم لا يمكن قبوله مهما كانت
الظروف.
هذه العبارة تحمل في طياتها دلالاتٍ عميقة ومتعددة، تتعدى الإطار الزماني والمكاني لحادثة كربلاء لتصل إلى عمق النفس البشريَّة ويمكن تلخيصها في ما يلي:
* رفض الظلم والفساد: تدعو العبارة إلى التفكير النقدي والتمييز بين الحق والباطل، ورفض طاعة الحاكم الظالم الفاسد.
* التأكيد على الكرامة الإنسانيَّة: إن حريَّة الإنسان وكرامته هما من أهم القيم التي دافع عنها الإمام الحسين، فرفضه البيعة كان دفاعاً عن حريته وكرامته، وحقوق كل إنسان في العيش بحريَّة وكرامة.
* الدعوة إلى الثورة السلميَّة: على الرغم من أن الإمام الحسين استشهد بشكل مأساوي، إلا أن ثورته كانت ثورة سلميَّة في الأساس، فهو لم يسع إلى إراقة الدماء، بل سعى إلى إصلاح المجتمع بالتي هي أحسن، وإقامة العدل.
* التمسك بالمبادئ: إن الإمام الحسين كان يتمسك بمبادئه حتى آخر رمق في حياته، هذه المبادئ هي التي جعلته يواجه الموت بشجاعة وثبات، ومن هذا المنطلق هي دعوة لكل فردٍ للتمسك بما يؤمن به.
في نهاية المطاف يمكن القول إنَّ ثورة الإمام الحسين ليست مجرد حدث تاريخي، بل هي إرثٌ خالدٌ لا يقتصر على زمانٍ ومكانٍ معينين، بل منهج وخارطة طريق مستدامة تلهم الأجيال المتعاقبة الوقوف في وجه الظلم والفساد، والدفاع عن الحق والعدل والتمسك بالمبادئ والقيم الإنسانيَّة، والعمل على بناء مجتمع عادل ومتحضر.
ففي عصرنا الحالي، ما زلنا بحاجة إلى هذا المنهج، وما زلنا بحاجة إلى أناسٍ يتمسكون بمبادئهم وقيمهم، ويرفضون الظلم والفساد، لذلك فإن ثورة الإمام الحسين كانت وما زالت مصدر إلهام للملايين من الناس حول العالم، فالإمام الحسين ليس مجرد شخصيَّة تاريخيَّة، بل هو رمزٌ للحريَّة والكرامة والعدل، وعبارته الخالدة هي أكثر من مجرد كلمات، بل دعوة إلى العمل وبوصلة توجهنا نحو المستقبل وتلهمنا مواجهة التحديات والصعاب، فهي تذكرنا بأننا جميعاً مسؤولون عن بناء مجتمع عادلٍ وحر، وأننا مدعوون إلى الوقوف في وجه الظلم
والفساد.