المجالس الحسينيَّة

ريبورتاج 2024/07/25
...

 وسام الفرطوسي

إن من أعظم النعم الإلهيَّة علينا هي مجالس العزاء التي تقام إحياء لذكرى فاجعة عاشوراء الإمام الحسين “ع». السؤال الذي يطرح نفسه هنا، ما هي الفائدة التي يجب أن تجنى من هذه الذكرى ومن هذه المجالس؟ وما هي الطريق لشكر هذه النعمة؟ فهذه النعمة الكبيرة هي التي تربط القلوب بمنابع الإيمان بالله وبالغيب مباشرة، وهي التي جعلت الحكام الطواغيت على طول التاريخ يرتجفون خوفاً وفزعاً من عاشوراء، ومن قبر الإمام الحسين عليه السلام، فقد بدأ هذا الخوف منذ زمن بني أمية وتواصل إلى أيام الطاغية صدام.

إذنْ لا بُدَّ من استثمار حركة هذه النعمة الإلهية بشكلٍ كاملٍ وبنّاء من قِبَل العلماء وأبناء الشعب معاً. أما استثمار أبناء الشعب لهذه النعمة فيتمثل في إقامة مجالس العزاء وتوسيعها على أكبر نطاقٍ ممكنٍ والمشاركة الفعّالة والجادّة فيها.  ويجب أن تكون تلك المشاركة بقصد الاستفادة الحقيقية وليس مجرد إتلافٍ للوقت أو محاولة الحصول على الثواب الأخروي ـ بالشكل الذي يتصوره بعض السذّج من الناس ـ فمن المؤكد أنَّ المشاركة والحضور في هذه المجالس يستتبعه الثواب الأخروي، لكنَّ السؤال: ما هو السبب في الحصول على الثواب من خلال المشاركة في مجالس عزاء الإمام الحسين عليه السلام؟فمن المسلّم أن هذا الثواب يتحصل نتيجة لسببٍ من الأسباب وما لم يتحقق ذلك فإنَّ الثواب سوف لا يحصل قطعاً، ولكن البعض يغفل ـ وللأسف ـ عن هذه النقطة ويعدُّ أنَّ مجرد الجلوس في المجالس الحسينية كافٍ على الثواب الأخروي. إذنْ يجب على المسلمين كافة معرفة القيمة الحقيقيَّة والأهمية البالغة لتلك المجالس والمشاركة الجادّة فيها وجعلها وسيلة لتعميق الارتباط القلبي بينهم وبين الحسين “ع” وآل النبي صلى الله عليه وآله وسلم واتخاذها طريقاً للوصل بينهم وبين روح الإسلام والقرآن.هذا ما يتعلق بالناس بشأن الاستفادة من هذه المجالس، أما ما يرتبط بعلماء الدين، فإنَّ القضية أكثر تعقيداً، لأنَّ مجالس العزاء تقوم على أساس اجتماع عددٍ من الناس ومشاركة أحد الخطباء الذي يتولى إقامة العزاء حتى يستفيد الآخرون، ولكنْ كيف يجب أنْ تقام مراسم العزاء؟ إنه سؤال موجهٌ إلى جميع من يشعر بالمسؤولية في هذه القضية، وباعتقادي أن هذه المجالس يجب أن تتميز بثلاثة أمور: 

الأمر الأول: هو تكريس محبة أهل البيت ومودتهم في القلوب، لأن الارتباط العاطفي ارتباطٌ قيمٌ ووثيق، وعليكم أنْ تعملوا في هذه المجالس على تكريس مودة الحسين بن علي عليه السلام وأهل بيت النبوة في قلوب المشاركين وتوثيق ارتباطهم بمصادر المعرفة الإلهية أكثر فأكثر، وأما إذا وجدتم وضعاً في هذه المجالس لم يؤدي ـ لا سمح الله ـ إلى تكريس مودة أهل البيت في قلوب المستمعين أو من خارج المجلس وإنما يؤدي ـ لا سمح الله ـ إلى ابتعادهم واشمئزازهم من مجالس العزاء، فإن هذه المجالس تفقد عندئذ واحدة من أهم فوائدها وأهدافها، بل تصبح مضرة في بعض الأحيان. 

الأمر الثاني: الذي يجب أن تتميز به المجالس الحسينية هو إعطاء صورة واضحة عن أهل قضية عاشوراء للناس وتبيانها لهم، وان مجالس العزاء على الحسين بن علي عليه السلام يجب ألا تكون مجرد منبرٍ لخطابات غير هادفة، لأن هناك في هذه المجالس أناساً يتميزون بالتفكر والتعقل والتأمل في الأمور وما أكثرهم في مجتمعنا سواء من الشباب والشيوخ والنساء والرجال الذين يتساءلون مع أنفسهم لماذا جئنا إلى هذا المجلس وبكينا على الحسين عليه السلام؟ ما هي أصل القضية” لماذا يجب البكاء على الإمام الحسين عليه السلام لماذا جاء الإمام الحسين إلى كربلاء وأوجد قضية عاشوراء؟ هذه الأسئلة يجب أن يجاب عنها في المجالس الحسينية حتى تتعزز معرفة المستمع بأصل قضية عاشوراء. 

أما الأمر الثالث: الذي يجب أنْ يؤخذ بنظر الاعتبار في مجالس العزاء، فهو تكريس المعرفة الدينية والإيمان الديني، إذ انه لا بُدَّ من التحدث عن تعاليم الدين في هذه المجالس بشكل يعزز إيمان المستمع ومعرفته بالله سبحانه، ولا بُدَّ من الموعظة والتطرق إلى حديث شريف صحيح السند أو رواية تاريخية لاستخلاص العبر منها، أو تفسير آية شريفة من القرآن الكريم أو نقل موضوع مما تطرق له كبار العلماء والمفكرين الإسلاميين، يجب ألا يكون الأمر بأنْ يرتقي خطيبٌ على المنبر ويتحدث بدون رؤية وبكلام غير هادف، أو يتطرق في النعي إلى موضوعات هشّة من حيث الفحوى، ليس فقط لا تؤدي إلى تعزيز الإيمان وتقويته، وإنما تؤدي إلى إضعافه، وإذا حدث مثل هذا الأمر فإننا سوف لا نبلغ الفوائد والأهداف المتوخاة من هذه المجالس.

هناك بعض الأمور المدوّنة في كتاب ما وليس هناك دليلٌ على صحّة هذه الأمور أو سقمها، ولكن عندما تتطرقون إليها من على المنبر، فإنها وبالرغم من عدم ثبوت سقمها إنما تثير أسئلة وإشكاليات حول الدين لدى المستمع الذي قد يكون طالباً جامعياً أو تلميذاً أو شاباً، وانه من الأفضل ألا تتطرقوا إلى هذه الأمور والموضوعات حتى لو كانت صحيحة السند، ولكنها تؤدي إلى الضلال والانحراف.

هذه هي الأمور الثلاثة التي يجب أن تتميز بها مجالس العزاء: تكريس المودّة للحسين بن علي عليه السلام ولأهل بيت النبوة. وتعزيز العلاقة والارتباط العاطفي بهم، وإعطاء المستمع صورة واضحة عن واقعة عاشوراء، وتكريس المعرفة الدينية ووشائج الإيمان بالله سبحانه وتعالى لدى المستمع، وانه يكفي لو تحقق الحد الأدنى من ذلك.