حسب الله يحيى
نحن اتكاليون بطبعنا وسلوكنا وعملنا. هذه حقيقة وضعنا الاجتماعي الذي ينبغي أن نقره ونعترف به. نعم نحن اتكاليون، نعتمد على أداء وعمل وإنجاز كل الأمور إلى سوانا من الناس، من دون أن نكلف انفسنا أداء بعض – لا كل الاعمال – من قبلنا؟ونحن على دراية بأننا قادرون على الإنجاز. لكننا لا نفعل ولا نفكر أساسا في العمل على تنفيذ ابسط الأمور التي يفترض أن نؤديها بأنفسنا.
نحن نستعين بالآخرين في أبسط الحاجات والمستلزمات التي تتطلب الإنجاز. وقد انعكس هذا الواقع المرير على جميع الأشياء المحيطة بنا، وبات عرفا اجتماعيا يعيش وينمو ويتفاعل ويتسع في محيطنا من دون أن نفكر في تغييره. وقد تكفل البعض ممن نستعين بهم ويعيشون معنا على أداء ما نريد، أو نؤدي وفي حالات نادرة في بعض الأمور. لكننا نرفض رفضا تاما نقل حجارة نعثر بها في طريقنا. لأن المسألة لا تعنيننا وننتظر من الآخر أن يتولى رفعها نيابة عنا.
من هنا نتبين أننا قوم اتكاليون، نعمل بما يخصنا. يخصنا تحديدا، وفي أضيق وأقل وأبسط المستلزمات.. بينما لا يعنيننا تنظيف أو إصلاح جزء من الشارع القريب من بيوتنا، وهذا يعني أن احساسنا بالوطن والمواطنة مفقود. ذلك أننا ننتظر من الآخر أن ينوب عنا دائماً. لذلك بتنا نستورد أبسط ما نحتاج اليه من الخارج، مع أن لدينا القدرة على توفيره بجهد قليل ونتائج أغنى وأفضل وأجود. وهذا الواقع الاتكالي، قادنا إلى أن نعتمد على شركات أجنبية أمنية لحمايتنا، وشركات أخرى لتعبيد طرقنا وتنظيف مدننا وبناء بيوتنا ومدارسنا ومستوصفاتنا، وأداء الخدمة في منازلنا ومطاعمنا ومخازننا.
مثلما بتنا كسالى لا نكلف أنفسنا حتى في توفير طعامنا اليومي، وإنما بتنا نتناول الأطعمة المعلبة والجاهزة أو نعتمد خدمة (الدليفري)، التي توفر لنا كل شيء من دون أن نكلف أنفسنا في تحريك أصابعنا حتى في تناول ما يصل ألينا جاهز!
نعم. صارت بنا حاجة حتى إلى من يطعمنا. وكأننا من المعاقين الذين لا نصلح لأي عمل!
ولو فكر أي منا في إصلاح حاله، لكان بإمكاننا توفير الشيء الكثير من الوقت والمال مع القليل من الجهد، وصولا إلى تحقيق حضور ذاتي نحن قادرون عليه. من هنا بتنا نسمع أن العامل العراقي هو الآخر كسول واتكالي، يريد دائما الاعتماد على الآخرين والاجتهاد في الحصول على الأجور من دون جهد مقابل. لذلك امتلأت المحال والمطاعم والفنادق والشركات. التي بها حاجة إلى العمالة والخدمات باستيراد الأيدي العاملة وإناطة كل الأعمال الصغيرة منها والكبيرة لتكون كلها في خدمتنا! وهذا الحال، جعل الدوائر لا تنجز أعمالَها إنجازا جيدا وفي فترة زمنية قصيرة، لأن الموظف يعمل على إضاعة وقته في مسائل شتى، إلا تنفيذ العمل المناط به! وهذه الاتكالية التي تشكل ظاهرة راهنة في الحياة العراقية، لم تكن قائمة من قبل، لأن الجميع كانوا يعملون وقد يتوارثون العمل من دون أن تكل جهودهم من العمل الشاق والمضني، ولكنهم سعداء في إنجاز ماهم بحاجة إليه.
هذه الواقع، يحتاج إلى توعية وتحمل مسؤولية في انجاز كل ما بمقدورنا عمله، والا كيف يعيش المرء وكل شيء يتم تأديته من قبل سواه؟
ولو تيسر لنا أداء ما علينا وما على غيرنا، لكنا مجتمعا يتناول طعامه وشرابه من صنع يديه، مثلما يبني ويعمر وينظف وينتج كل ما هو ضروري من دون الاستعانة بسواه. وبذلك نكون شعباً يحب الوطن عن طريق المواطنة، التي ينتمي إليها بكل مفاهيمها الأخلاقية العالية، ووضعها التنويري الذي يفترض أن يتنبه إليه ويؤديه بصدر رحب ومحبه عالية.