التوجه الإنساني لمحكمة العدل الدوليَّة ينتصر للعدالة

آراء 2024/07/29
...

 زهير كاظم عبود 

خلصت المحكمة إلى أن الرأي الواجب اتخاذه في إنهاء حالة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وإعادة الوضع كما كان عليه قبل الاحتلال في العام 1967، والمباشرة بتفكيك المستوطنات التي تجاوزت على حقوق الفلسطينيين المدنيين، وإعادتهم إلى بيوتهم وبلداتهم والاقرار بحقوقهم المشروعة، وحتى يمكن أن نجد حلولا عادلة ومنطقية ومقبولة فيترتب على المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤوليته في مجلس الأمن الدولي وفي الجمعية العامة وفي المجتمع الدولي بشكل عام

بناء على طلب من الجمعية العامة للأمم المتحدة خلصت محكمة العدل الدولية إلى التباحث ودراسة محتوى الطلب، وفق نظرة قانونية حيادية ونافذة في صميم القضية المطلوب الرأي عنها، وبعد أن استكملت المحكمة في جلساتها الاعتيادية مناقشاتها ودراستها بدقة تفاصيل القضية التي انتهت بتوجيه استشارة قانونية تناولت مجمل القضية بشكلها العام، وهو ما تحتاجه الجمعية العامة من تفصيل لأمور قانونية صادرة عن جهة مختصة وبمثابة تقرير جهة ذات اختصاص من قبل قضاة ومختصين في الشأن القانوني والدولي، لتتم الاستعانة بهذا التقرير من قبل الأعضاء في الجمعية العامة للتوصل إلى قرارات أو أحكام مستندة على رأي الخبراء في محكمة العدل الدولية، ومتضمنا أيضا العواقب القانونية الناتجة عن الاستمرار بممارسة الأفعال والسياسات التي تمارسها دولة إسرائيل على مجمل الأراضي الفلسطينية. 

وصدر الرأي بموافقة 14 عضوا وامتناع 4 أعضاء عن القبول والتوقيع، وخلص الرأي إلى قبول الطلب باعتبار أن الجهة التي طلبت الرأي هي جهة مختصة أولا، وأن الطلب يحتوى على طبيعة قانونية ثانيا، ويشكل توضيحا وتفسيرا لمشكلة قائمة لا بد لها أن تجد الحل الإنساني ثالثا، وكانت بعض الدول الغربية قد تقدمت بطلبات إلى المحكمة المذكورة تطالب بعدم تدخلها والامتناع عن إعطاء الرأي بزعم أن مثل هذا الرأي سيؤثر في المفاوضات الجارية بين اطراف القضية، إلا أن المحكمة لم تجد أن إعطاء مثل هذا الرأي سيؤثر سلبا في المفاوضات وعلى أي حل آخر ولهذا رفضت قبول تلك المزاعم.

وحين نظرت المحكمة إلى أصل القضية المعروضة فإنها تأكدت أن الاحتلال الإسرائيلي ومنذ العام 1967 وبشكل مستمر يفرض احتلاله على مجمل الأراضي الفلسطينية وبالقوة، ولا فرق في هذا الاحتلال بين غزة أو القدس أو الضفة الغربية، حيث إن جميع سكان هذه المناطق من الفلسطينيين المدنيين، وان احتلال أراضيهم لا يستند إلى سبب شرعي موجب ولا يبرر استعمال القوة الغاشمة، وأن قطاع غزة هو جزء لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية المحتلة، وان القانون الدولي يفرض التزامات قانونية على الطرف الذي يحتل تلك الأراضي، ويترتب عليها أن تحترم وتلتزم بمعايير معاهدات ونصوص حقوق الإنسان، والتي تنطبق عليها حرفيا الاتفاقيات الدولية وتحميها.

ومن بين أهم بنود الرأي الذي صدر عن المحكمة الدولية أن الاحتلال الإسرائيلي احتلال غاشما لا يمكن له أن يغير الوضع القانوني للأراضي الفلسطينية، كما أن هذا الاحتلال لا يخلق أسبابا مقيدة للاستمرار باعتباره حالة مؤقتة، لا بد أن يعود الحال إلى ما كان عليه قبل الاحتلال، وان ما تقوم به إسرائيل من استغلال للموارد الطبيعية على الأراضي الفلسطينية يشكل انتهاكا صارخا لما ورد بالمعاهدات الدولية، ومخالفة مدانة للقانون الدولي، وأن حالة الاستيطان التي تمارسها دولة إسرائيل تتناقض مع الشرعية وتخالف القوانين الدولية، وأن ما تقوم به دولة إسرائيل من عمليات استيطان وانتهاك للحقوق وسلبها بالقوة، واستعمال القوة المفرطة والعنف في مواجهة المطالبة بالحقوق، وممارسة سياسة الفصل العنصري والتمييز بشكل سافر، بالإضافة إلى حالات الملاحقة والقبض وتقييد الحريات والأحكام العسكرية بحق المدنيين، تتجاوز حالة الاحتلال العسكري لتثبت تحدي دولة إسرائيل للمجتمع الدولي، والاستخفاف بشكل واضح للاتفاقيات والمعاهدات الدولية، بالإضافة إلى عدم اتخاذ الإجراءات القانونية بحق المستوطنين، الذين يرتكبون الجرائم بأي شكل من الأشكال ودعمهم ومساندتهم.

وخلصت المحكمة إلى أن الرأي الواجب اتخاذه في إنهاء حالة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وإعادة الوضع كما كان عليه قبل الاحتلال في العام 1967، والمباشرة بتفكيك المستوطنات التي تجاوزت على حقوق الفلسطينيين المدنيين، وإعادتهم إلى بيوتهم وبلداتهم والاقرار بحقوقهم المشروعة، وحتى يمكن أن نجد حلولا عادلة ومنطقية ومقبولة فيترتب على المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤوليته في مجلس الأمن الدولي وفي الجمعية العامة وفي المجتمع الدولي بشكل عام، أن يمكن الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه القانوني بتقرير مصيره، وتمكينه من استعادة حقوقه المسلوبة، وأن يتخذ مجلس الأمن الدولي من القرارات الرادعة، التي تلزم إسرائيل قسرا على قبولها بتلك النتائج، وأن يحترم الجميع الاتفاقيات والمعاهدات الدولية. 

ومع أن هذا الرأي استشاري إلا أنه يمكن لمجلس الأمن أن يتخذه سببا في إصدار قراره لحل مجمل القضية، التي ستبقى قائمة ما دامت إسرائيل مستمرة في ممارستها للاحتلال، وفي تمسكها ومع سبق الإصرار بانتهاك القانون الدولي، وأنه لا يمكن أن يكون هناك حل عادل ومقبول دون أن يتم ردع إسرائيل وفقا للقانون والإرادة الدوليين، كما أن على قيادات إسرائيل أيضا أن تفكر أنها لن تنعم بالسلام، ولن تتوقف حالات المواجهة التي تعتمد على ممارسة واستعمال أساليب القوة والدم بين فترة وأخرى، وأنها ستبقى ما دامت مستمرة بسياستها وأساليبها منتهكة للقانون ومبادئ العدالة، مستندة على العامل الدولي المؤقت، وحماية عدد من الدول لأسباب لا يمكن أن تستمر مع تبدل المواقف والمصالح، عليها أن تجنح للعقل، حتى يمكن أن يعيش شعب فلسطين آمنا، في حال استعمال العقل، ولكن في غياب العقل واعتماد سياسة الاغتصاب والانتهاك والقوة الغاشمة وعسكرة المجتمع، فان الحياة لن تستقر ابدا.