عبد الغفار العطوي
يمكننا القول إن فكرة الصداقة بين غريمين إلتقيا على1 غير موعد أواتفاق بينهما، يمكنها أن تكون ببساطة صدفة، مجرد صدفة، مع إن صداقتهما قد انبنت على فارق بينهما كبير وواسع، الفارق في التاريخ والمجد والشهرة ؛ وأكيد بالحياة، الفيلسوف الفرنسي المعاصر جاك ديريدا(1930-2004) هوفيلسوف وكاتب ولد في الجزائر أثناء احتلالها الفرنسي، وغادرها عام 1962 نحوباريس، ليدرس الفلسفة في الجامعات الفرنسية، ونال شهرة واسعة من بين فلاسفة الغرب، والأكثر رواجاً ودراسة، وعرف بمنهجية (التفكيك) وتوفي بمرض السرطان، نشأت صداقتنا الصامتة عقب القراءات المبعثرة لكتاباته الفلسفية، وأصابتني رعدة وشعور بالخوف والهلع لما قرأت فلسفته، ولم أفهمها، فأسعفتني جاياتري سبيفاك كذلك صدفة، في كتابها (التفكيك والفلسفة) الذي حظي باستقبال جيد من غالبية القراء في العالم، من ضمنهم قراء العربية، بسبب إن صاحبة الكتاب استطاعت انتشال فلسفة ديريدا من وحل التجاهل المتعمد على ما يبدومن المحافل الثقافية في بلد ديريدا فرنسا، لتؤكد هي ذاتها أن فلسفة ديريدا في منهجه (التفكيك) مازالت تحتفظ بموقع متميز في خريطة الفكر الفلسفي والأدبي في العالم(والعالم الناطق بالإنجليزية خصوصاً) وأن الطبعة التي حملت الذكرى الأربعين لترجمة كتاب (الغراماتولوجي) لجاك ديريدا إلى الإنجليزية عام 2016 صدر عن جامعة جون هوبكنز، سبيفاك في هذه الترجمة المنقحة التي احتفل بها، عززت مكانة ديريدا، وأيضاً سبيفاك في العالم الغربي خارج فرنساً، وقد اكتسبت فهماً ووعياً لافتاً للنظر حول فلسفة ديريدا (الغراماتولوجي) بإضافة شرحٍ وافٍ، وقامت جوديت بتلر بتصديرها للكتاب نفسه، مما لفت نظري المهمة الصعبة، لكنها المفيدة لترجمة كتاب(الغراماتولوجي) من الفرنسية إلى إلانجليزية ثم قامت بإصدار هذا الكتاب (التفكيك والفلسفة) كم شعرت بالذهول أن تجرؤ سبيفاك على ترجمة أصعب كتاب لديريدا وتجازف بنقل فلسفته المعقدة التي لا يستوعبها أحد، على كل حال، كان من الضروري مطالعة الصعاب الشاقة التي تجشمتها سبيفاك كي يحظى العالم بفلسفة ضجت بها قاعات الدروس في أعرق جامعات أوروبا وأميركا وباقي العالم، ولعل قراء العربية يعترفون بفضل الترجمة الشيقة والرصينة التي قام بها (حسام نايل) وقد قال شيئاً مهماً حول ترجمة سبيفاك ومقدمتها الشارحة التي مر عليها 46 عاماً احتدم الجدل ولا يزال حول دريدا الذي غير نهجه الثوري في معالجة الفينومينولوجيا والتحليل النفسي والبنيوية واللغويات، بل تراث الفلسفة الغربية وجه النقد عموماً - الخ أي إن ديريدا عرف من الوهلة الأولى لبروزه كفيلسوف مضارب في أهم قضايا الثقافة الفرنسية التي اتصفت بها في القرن العشرين، ولاتزال تلك الثقافة تحاول وضع بصمتها الفكرية على تيار الفلسفة بنكهتها المحلية الفرنسية، خاصة أن فرنسا الاستعمارية كانت تخطوبتؤدة نحو تطبيق مفهوم الطابع الفرنكفونية (أي محاولة إدماج مستعمراتها في الشرق الأوسط وأفريقيا وباقي الأراضي المحتلة بثقافة واحدة)النكهة الفرنسية التي كانت تعاني من مرض عضال يتعلق بمحدودية انتشارها على الصعيد العالمي، مقارنة بالإنجليزية، ذات الانتشارالواسع في أنحاء المعمورة، إضافة إلى أن اللغة الفرنسية كانت تحمل الحركات الصامتة في النحو، وتشتهر بكونها لغة تعتمد على الفوارق الطبقية الاجتماعية، وهوما أدى إلى خسران ديريدا رصيده من التأييد المحلي الفرنسي الذي لم يستقبله إلا بوصفه ناطقاً بلغة المستعمرات، ومن الغريب أن نجد كتابه الصغير، والمخطوط هذا بيده على ورق يحمل اسم الجامعة الفرنسية وتاريخ كتابته في أحداث الثورة الجزائرية 1962، إضافة إلى وجود الشطب والمحو في اللغة الصعبة وغير المفهومة في الغالب التي امتاز بها جاك ديريدا، كان عنوان الكتاب (أن تفكر : أن تقول لا) قد شكل تنزيهاً على تلك الإشكالية التي كان يعانيها ديريدا في كيفية نشر فلسفته في جوثقافي غير متعاطف معه، لكن اللف والدوران الذي قامت به سبيفاك من ترجمة (التفكيك) نحوالإنجليزية قد سهَّل لديريدا أن يجد متنفساً له ولفلسفته خارج حدود فرنسا، وبذلك فحالما خرج ديريدا من الشباك قد دخل من الباب الواسع (بعكس المألوف) وقد أومأ من الذين نالوا حظاً من شرر نقده القوي اللاذ ع لفلسفاتهم إلى تلك الفكرة، لكنه في ثنايا هذه المخطوطة قد أوجد طريقة في تحويل القول بالـ(لا) نحوتصحيح طريقة التفكير، أي إنه بذل كل ما بمقدوره في أن يتعامل مع التفكير بصورة تعني بالقول (الـ لا) وهوما أراد إفهامه لطلبته في ظروف استثنائية مرت بها فرنسا، أنا هنا كصديق (أزعم افتراضاً لتلك الصداقة وجهاً ما من أوجه الصداقة) قبل أن أجرب الغرق في هذا (الكتيب! الكبير الثري) قبل الفشل في استيعابه إن ديريدا عبر (4) جلسات والملاحق التي احتواها هذا الكتاب المترجم للعربية (جلال بدلة) دار الساقي عن طبعة معدة (بربوجيرار) قد جعل الـ(لا) بالنسبة لي محنة ولغزاً محيراً، لأن أهم أساسيات الوعي كما أتصور بالنسبة لديريدا أن نفكر بالـ(لا) في هذا الكتاب الصعب الذي يتناول في جلساته الأربع ماهية الفكر، وأثرها في حدود ما نطرحه في فهمنا لقولنا نحن نفكر قبل أن نقول (لا) أم نحن نفكر في حالة قيامنا في وضع(لا) أمامنا في محاولة تفلسفنا، أنا أصلاً في حيرة ! ما يمكن أن نستشفه من ذهاب جاك ديريدا نحوالإقرار بأن خطأ الفكر في كيف يعالج ماهيَّة التفكير في محيط ثقافي قال لفلسفته، وفي طريقة وعيه الفكري، في أنه غير مفهوم لدى مواطنيه الفرنسيين، لأنه فقط لا يمكنه التخلص من لكنة المستعمرات (مثل ما نحسه نحن العرب اليعاربة والعرب المستعربة على سبيل السخرية طبعاً) إلا أن تعامل ديريدا مع الوصل بين التفكير والتفكير بقول (لا) هوما جذبني كي أعلق على كتابه هذا، فالتأكيد على صيغة التفكير لدى ديريدا تتعلق إما بماهيَّة الفكر أوفي جوهر التفكير، بدوري المتواضع في هذا المقال أتحرى مغزى القول بالـ(لا) لدى ديريدا ما تعني، باشتراطها بالقول (لا) كما نرغب نحن_ التفكيكيين _ لقد كانت سبيفاك مصرة على أن نعي أن التفكيك هولون من خطاب الغراماتولوجيا تحت الشطب، وبما أن هذا الكتاب – المخطوطة بقي مهملاً في أدراج ديريدا ولم ينشر في حياته، يمكنني أن أقرأه بهذا الشكل