{الريوك» الأخير

آراء 2024/08/05
...

حمزة مصطفى

في تبريره لأداء الدور الرئيس في حفل افتتاح أولمبياد باريس، والتي أثارت غضب العالم المسيحي، فيما بدا إيحاء للوحة « العشاء الاخير» لدافنشي قال المغني الفرنسي فيليب كاترين «لو كنا عراة هل كانت هناك حروب»؟. سؤال في منتهى الذكاء. وفي تبرير الجواب قال « أين كنا سنخفي الأسلحة لو كنا عراة؟. سؤال آخر ذكي يستبطن جوابا مقنعا إلى حد كبير. لكن هذا المغني الفرنسي ينطلق في تبريراته من بيئة مختلفة وثقافة مختلفة تبقى جزءا من «صدام الحضارات» طبقا لرؤية صموئيل هنتنغتون.
وفي سياق المقاربة بين ما بداخلي تجسيد رمزي للوحة « العشاء الاخير» للسيد المسيح، مثلما جسدتها عبقرية ليوناردو دافنشي، وبين الثاني من آب عام ١٩٩٠ التي كانت عبارة عن «ريوك»، تحول بالفعل إلى «ريوك أخير» جر معه كل الويلات والمصائب والكوارث والهزائم والخسائر والانكسارات، التي جرت معها فواجع وانهيارات ومآسٍ وفظاعات لا تخطر على بال أي رسام أو نحات مهما كانت عبقريته، لو أراد تجسيدها في لوحة فنية. فهذا « الريوك»، الذي قرر « الويلاد» تناوله صبيحة ذلك اليوم، «الأكشر» في الكويت الذي حولها بجرة نزوة لا تأتي على بال أكبر أحمق في التاريخ من دولة ذات سيادة وعضو في ٦٠ منظمة وجمعية وجامعة ومؤتمر عبر قارات العالم السبع إلى محافظة رقم ١٩.
وبقدر ما أبكى ذلك « الريوك» العالم، علينا فقد اضحكه في الوقت نفسه بحيث بات العالم شرقه وغربه جنوبه وشماله يضحك بفمه، ويبكي بعينيه في جنجلوتية تراجيدية جعلت نحو سبعة عشر عراقي عام ذاك إلى سلمان منكوب واحد، أو أن المنكوب سلمان وزع نكباته بين سبعة عشر مليونا وفق صيغة « النكبة مقابل البكاء» والتي تحولت بعد سنوات إلى حصة تموينية يسميها بسطاء الناس « الكمية» وبعضهم يسميها « الغذائية» حتى استقر فيما بعد ولله الحمد اسمها الخالد « الحصة».  وعلى ذكر الحصة التي هي الحصة التموينية أو الكمية أو الغذائية فإن « الويلاد»، الذي لم يعد منهم بعد ٩ شهور إلا جرحى ومعاقين، لمن بقي على قيد الحياة كانوا قد ذهبوا، لكي يدافعوا عن شرف « حصة» وهو الاسم المشهور للمرأة في الكويت، واذا بهم يعودون بعد تلك الشهور القاسية ب» طرك» فئران « أمي حصة»، وهي احدى روايات الروائي الكويتي سعود السنعوسي صاحب رواية « ساق البامبو»، التي هي بحق واحدة من أجمل الروايات العربية، التي فازت بالبوكر العربية. قبل السنعوسي الذي عرفناه بعد «ريوك الويلاد»، كنا نعرف الكويتي من أصل عراقي اسماعيل فهد اسماعيل، الذي وان لم يتنكر لأصله، لكنه كان معتزا ببلده الكويت الذي أطعمه من جوع وأمنه من خوف.  لا يحتاج فيليب كاترين المغني الفرنسي المعتذر على دوره في العشاء الاخير القائل العراة لا يخفون الأسلحة إلى المزيد من التبريرات، بعد أن شاهد غضب العالم المسيحي عليه. لكن في مقابل كاترين هل نحتاج نحن إلى تبرير كلفة «الريوك» الباهظة، التي هي عبارة عن وطن مضاع بقيت اسلحته في الطرقات بعد الانسحاب عارية مثل عرينا، الذي اخفينا في ثقوبه كل انواع الرصاص الذي دفعنا لحسابه ثمن.. «ريوكنا الاخير».. الاخير تماما.