ابراهيم العبادي
الرئيس الامريكي بايدن مستاء من أخفاء نتنياهو خطة الاغتيالات الاخيرة التي نفذتها اسرائيل.. بايدن يحذر نتنياهو من أن أمريكا قد لا تستطيع الدفاع عن إسرائيل في أي تصعيد جديد يقوم به الأخير، بهذه المقاطع المسربة من مكالمة بايدن ونتنياهو الاخيرة غداة اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية والقائد العسكري لحزب الله فؤاد علي شكر، دارت تحليلات المراقبين عن مغزى كلام الرئيس الأمريكي ودلالاته بعد نجاحات كبرى حققها نتنياهو دعمت رصيده وسياسته الرامية إلى توسيع نطاق الحرب في المنطقة واشراك الولايات المتحدة وكبرى الدول الاوربية في مهمة الدفاع عن دولته، فمنذ صدمة 7 اكتوبر، التي هزت الكيان الاسرائيلي، وبرهنت عمليا على إمكانية اصابة الجيش والمجتمع الصهيوني بمقتل، ورئيس حكومة اليمين الصهيوني المتطرف مصر على الخروج بنتائج كبيرة يدخرها لمنع مساءلته وإنهاء مستقبله السياسي بسبب صدمة هجوم حماس، السبيل الأوحد لتفادي نهاية سيئة له هو تحقيق انتصار عسكري - ستراتيجي يستثمره لمحاججة خصومه وكسب الشارع المنقسم بين مؤيد له ورافض لسياساته. كيف نفسر سياسات نتنياهو الرافض لجميع الضغوط الداخلية والخارجية لثنيه عن المضي في خطته المثيرة للانقسام، حتى مع طاقمه السياسي والعسكري والأمني؟.
لنذهب أولا إلى الجانب النفسي، كونه المحرك الأساس للتفكير والتخطيط والسلوك العملي.
إن تشريح سيكولوجية الشخصية الصهيونية يفسر لنا سبب هذا الولع الكبير بتدمير الخصوم وابادتهم وتجاوز الأعراف الإنسانية والقوانين الدولية، والظهور بمظهر المدافع عن المدنية والقيم المعاصرة وشيطنة الآخر، وتجريده من إنسانيته إن هذه الشخصية تعيش هاجس الخوف المزمن والبحث عن الأمن المستدام، بسبب ذاكرة تاريخية مشحونة بالمطاردة والعزل والكراهية والابادة، وهي لم تجد سبيلا للخلاص الا بتحالفات وتخادمات مع القوى الدولية الكبرى وامتلاك قوة رادعة ومخيفة للخصوم وقدرة على ايذائهم بشكل مستمر.
استخدمت اسرائيل ستراتيجية الحفاظ على التفوق العسكري والتقني والعلمي، ونفذت ذلك على الارض منذ عام 1948 وما زالت. بحصول متغيرات كبرى في الصراع القائم وانتقال زمام المبادرة في منتصف الثمانينيات من أيدي القوى الوطنية والقومية إلى القوى الاسلامية، صار الصراع يتلبس لباس الحضارة والدين. الاسلاميون يعتقدون أن العقيدة الصهيونية لا يواجه توسعها وعدوانها الا التعبئة الدينية والعقيدة الصهيونية تواصل منهج استثمار الدين ومفاهيم التوراة، لحشد التأييد الغربي والاستماتة في الدفاع عن وجود اسرائيل وأمنها حتى لو تمادت في حروب الابادة والاغتيالات وخرقت القوانين الانسانية، كون ذلك يرتبط بالدفاع عن المصالح الستراتيجية العليا لدول الغرب، لا سيما الولايات المتحدة.
نتنياهو الذي يتزعم اليمين المتطرف وحليف الاحزاب الدينية نجح في خطته وتملص من جميع الضغوط، لأنه يرى في توسع الحرب فرصته التاريخية للقضاء على التيار الإسلامي الفلسطيني واللبناني، وتحجيم دور ايران ونشر مظلة التطبيع الكامل في المنطقة، وإرغام الشعوب العربية والإسلامية على القبول بالدولة الصهيونية أمرا واقعا، وفي ذات الوقت تحقيق مكاسب سياسية وتكريس شخصه، بوصفه الزعيم الأهم من بين القادة اليهود الذين تفانوا في الدفاع عن المشروع الصهيوني ودولته!.
سياسيا يبدو العالم كله يتحرك على خط رد الفعل على سياسات نتنياهو، فهو يناور يوميا لتأخير صفقة وقف اطلاق النار وتبادل الاسرى مع حماس، وقد نجح في إبطاء المفاوضات وتجميدها، وأضاف شروطه الجديدة، لمنع استكمال المفاوضات أو إرجائها، وتوجه نحو عمليات مغامرة كبرى باغتيال القائد العسكري الكبير في حزب الله فؤاد شكر، واغتيال ضيف ايران اسماعيل هنية، متوخيا توجيه رسائل كبرى للحلفاء والخصوم، أول المتفاجئين من خطط نتنياهو كانت الادارة الامريكية، التي استضافته ولم تظفر منه سوى بوعود وكلام بارد ودعم لامحدود لخصمها اللدود (ترامب)، وتعمد في إخفاء النوايا والخطط، رغم ما قد يسبب ذلك من إحراج لإدارة بايدن، وقد يكلف ذلك الديمقراطيين خسارة البيت الابيض.
ادارة بايدن تسابق الزمن وتريد الخروج بنصف انجاز في سجلها الدبلوماسي والسياسي، واولويتها الآن تفادي اتساع نطاق الحرب في الشرق الاوسط، وعدم التورط في حرب جديدة، لا سيما في زمن الانتخابات الرئاسية ومشكلاتها الكبيرة. ضعف ادارة بايدن شجع نتنياهو ولم يوفر مظلة حماية للشخصيات الحكومية في طاقمه، التي تعارض توجهاته وتوظيفاته للحرب ومضاعفاتها، كوزير الدفاع غالانت ورئيس الاركان هليفي ورئيس الشاباك رون. بات نتنياهو يتلاعب بالادارة الأمريكية، ويرغمها على الصمت عن مغامراته، ويجبرها على اتخاذ خطوات كبيرة مثل التحشيد العسكري والمشاركة في منع وصول مسيرات وصواريخ محور المقاومة إلى داخل فلسطين المحتلة.
نتنياهو فرض على محور المقاومة أيضا أن يستمر في سياسة رد الفعل، عبر إحراجه لمرات ومرات، وآخرها الإحراج الأكبر في طهران باغتيال هنية. لقد نجح رئيس الحكومة الصهيونية في تحجيم الصورة الضخمة، التي كانت تظهر بها ايران وحلفاؤها، واجبرها على ردود فعل لا تتناسب مع التوقعات السابقة، وكشف عن نقاط ضعف وهشاشة وقابلية للاختراق الأمني والاستخباري، هذه النتيجة ستدفع دولا غير مطبعة مع الكيان الاسرائيلي على التطبيع، خوفا وهلعا ولدفع المخاطر والضغوط الاقتصادية والامنية والسياسية. بهذه السياسة يكون نتنياهو قد حصر خيارات ايران ومحور المقاومة لابقائه في مرمى العقوبات والحصار والعزل السياسي والدبلوماسي، لتأتي المرحلة القادمة باستكمال عملية الإضعاف من الداخل، عندما تتعالى الأصوات المطالبة بالمحاسبة والمراجعة والمقارنة، تحت طائلة التدمير والابادة والخسائر الكبيرة، علاوة على أن ما جرى في ايران قد يعجل بالانقسام السياسي الميداني بين معسكر يصر على التشدد ورفض الانفتاح وبين المعسكر، الذي وعد بالانفتاح وتحسين العلاقات والعودة إلى سياسة الحوارات وخفض التوترات، الذي بشر به الرئيس الجديد مسعود
بزشكيان.
اغتيال اسماعيل هنية في طهران، كان من بين إهدافه إحباط سياسة خارجية جديدة تعود على ايران والمنطقة، بالتخفف من حالة العسكرة وغلبة المنطق الامني، وهي هدية من نتنياهو للتيارات المتشددة لتصعيد الخطاب والممارسات، فمن مصلحة نتنياهو الآن استخدام سياسة التخويف من التطرف الاسلامي، ليبقي القوى الغربية رهينة القلق من التشدد الاسلامي، لتصطف معه رغم تحفظاتها على سياسته، بذلك يكون نتنياهو قد وضع العالم تحت ضغط سياسته العدوانية ورأس حربته الراهنة، هو الدفع نحو مزيد من التصعيد وتوسيع نطاق الحرب لأنه سيكون الفائز بمكاسبها.
زعيم حزب الله السيد حسن نصرالله أدرك ذلك وأكد في إطلالته الأخيرة أن المواجهة دخلت مرحلة جديدة، والمرحلة الجديدة فرضتها سياسة الحرب، التي يقودها نتنياهو وحتمت التعامل معها.