الردع الإيراني أمام الردع الإسرائيلي

آراء 2024/08/06
...

 سناء الوادي 


من المعلومِ لدى الجميع مدى قوة الموساد الإسرائيلي وقدرته على اختراق المجتمعات وجمع المعلومات الدقيقة ورصدها للأهداف لفترات طويلة، قد تستمر شهوراً وسنيناً إذا اقتضى الأمر، وهي بذلك ترزح تحت إمرة التنفيذ من القيادة السياسية “رئيس الحكومة” وعلى اعتباره ثاني الأجهزة التجسسيَّة القوية في العالم، بعد جهاز الاستخبارات الأمريكية CIA فليس هناك مجال للشك بتفوقه على الاستخبارات في دول المنطقة، إلا أنه مع تزايد التساؤلات حول ما يجري في الآونة الأخيرة من عدد الاغتيالات، التي طالت كبار قياديي المقاومة في دول المحور سأستعرض لكم وبالعودة خطفاً ماضي الموساد في الاغتيالات.

بدأ مشوار الموساد قبل تأسيس دولة الاحتلال بفترة لا يستهان بها، فقد كان يعدُّ منظمة داعية للهجرة غير الشرعية لليهود واستقطابهم من دول العالم إلى فلسطين، خاصة بعد اضطهادهم في دول أوروبية عدَّة، ليصبح فيما بعد أهم أذرع عصابات الهاغانا، ومنذ انطلاقته تميز بقدرته على اختراق الدول، وتجنيد مواطنيها لصالحه، مستغلاً التعدد العرقي والقومي أو الظروف الاقتصادية السيئة أو نظام الحكم الديكتاتوري المكروه شعبياً، والذي يجعل من السهل على عناصر الموساد اللعب على أوتار حب الوطن لدى البسطاء والجهلة والتآمر على النظام الحاكم، فيما يصب في بوتقة أهدافه. ومع نجاح عمليات اغتيال كبيرة نفذها الموساد على مرِّ السنين منها اغتيال الأديب غسان كنفاني في بيروت، واغتيال السيد عباس الموسوي الأمين العام السابق لحزب الله، وست شخصيات من منظمة أيلول الأسود الفلسطينية، تلك التي قامت بتنفيذ عملية ميونخ خلال أولمبياد 1972، ناهيك عن تنفيذها عدة مهام تعطَّل على إثرها البرنامج النووي العراقي، فضلاً عن تفجير المفاعل النووي السوري في دير الزور عام 2007م، كانت استخبارات إسرائيل تتصيد الأهداف بدقة لتحدث الضرر البالغ. ومع كل ما سبق فقد أضاف التطور التكنولوجي والتجسس عبر الانترنت والطائرات المسيرة الصغيرة الحجم مزيداً من التفوق الجاسوسي ومهارات التتبع والرصد لشخصيات بنك أهدافهم، وبالرغم من نجاحهم في الوصول لشخصيات بالغة الأهمية في دول المقاومة كقاسم سليماني وعماد مغنية في السنوات الأخيرة، لكنها تبقى محصورة بالتأثير على سير تصاعد قوة المقاومة في مكان ما، لكن ما حدث بعد الاختراق الأمني الذي حدث في السابع من أكتوبر والذي حشر الموساد وجهز أمان الإسرائيليين في مأزق لا يحسدون عليه وما فاجأت به حركات المقاومة على امتداد أذرعها من التفوق والثبات طيلة عشر أشهر من الحرب الدموية على غزة، بل وتجاوزت ذلك بصناعتها المتقدمة والدقيقة للقاذفات والصواريخ والمسيرات، التي هشمت جبهة القبة الحديدية بوصفها المنظومة الدفاعية الأقوى لإسرائيل، فكان لزاماً على الأخيرة أن تتصدى وبكامل قوتها الاستخباراتية لإعادة الهيبة للردع الإسرائيلي الذي انتهكته المقاومة، حيث كشفت للعالم زيف ذلك الجيش الذي لا يقهر و”الجيش الأكثر أخلاقية” والذي وقف عاجزاً عن كشف مدينة الأنفاق، التي أنشأتها حركة حماس فبات يقاتل أشباحاً تخرج إلى النور تارةً وما تلبث أن تذوب في غياهب الأرض.

نعم وباعتراف الدول الكبرى الداعمة لإسرائيل التي صدت عنها الهجوم الإيراني، باتت تشعر بثقل هذا الكيان عليها وفقدانه تلك الهالة الرادعة التي جعلت من بعض دول المنطقة جيراناً مسالمين في فترات معينة، ومع عدم امتلاكها الحقيقي للردع النووي فهي لا تملك الجرأة على استخدامه، وهنا أدركت ضرورة اللجوء لطريق الاغتيالات لاستعادة بعض البريق الضائع وتحقيق صور من الانتصارات فشل نتنياهو بتحقيقها على الأرض ليظهر منتشياً في خطابه لشعبه بقدرته إلى الوصول إلى فؤاد شكر ـ الرجل الثاني في حزب الله ـ في ضاحية بيروت الجنوبية ويختال كالطاووس باغتيال إسماعيل هنية ـ رئيس المكتب السياسي لحماس ـ وهو رجل المفاوضات للتوصل إلى اتفاق هدنة ينهي الحرب في غزة.  ومن ذلك فإن كثافة عمليات الاغتيال في الفترة الأخيرة إنما هي انتقال تكنيكي للمرحلة الأخطر والأدق تنبئ عن إفلاس الاحتلال، وفشله محاولاً لفت الانتباه عن هزيمته بانتصارات زائفة إنما تمثل لحركات المقاومة الشهادة والعزة والعزيمة على توريث المهمة لقيادات أكثر حنكة وصلابة مما سلف من الشهداء. أمّا على المقلب الآخر، فاليوم التفوق الاستخباري الإسرائيلي الذي يمس بهيبة وسيادة إيران سيرى حسب ما أتوقع ردّاً كبيراً حازماً بالتزامن مع كل حركات المقاومة سيعيد الأمور إلى نصابها، لأن طهران اليوم بين فكي كماشة الأول هو الصمت، وفي ذلك اعتراف ضمنيا بالركون إلى قوة إسرائيل أمام الداخل الإسرائيلي والمجتمع الدولي وما في ذلك من خلق فتنة داخلية في إيران تفتح ملفات عديدة أمام المساءلة، حول الاختراق الأمني الذي حدث، أو أن ترد بالمثل باستهداف كبار القادة عند العدو وهو ما تحدثت عنه آنفاً وتتفوق به إسرائيل على غيرها، إذاً فإيران اليوم تدرس بعناية شكلاً للرد والانتقام يحفظ هيبتها ويردع أعدائها من إعادة الكرَّة. 


 كاتبة وإعلامية سورية